ديـــوآن آل مــهــنــا

[center]مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Ezlb9t10


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ديـــوآن آل مــهــنــا

[center]مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Ezlb9t10

ديـــوآن آل مــهــنــا

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كل ما يخص عائلة مهنا في الوطن والشتات تلقاه هنا

اهلا وسهلا بحضراتكم معنا في ديوان عائلة مهنا

3 مشترك

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا السبت يوليو 14, 2012 4:08 pm

    اليوم سوف نبدأ بمقالات الكاتب الصحفي المشهور .. عبد اللطيف مهنا

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    ربما شكَّل القرار المصري القاضي بإلغاء اتفاقية تزويد «إسرائيل» بالغاز من طرفٍ واحدٍ مفاجأةً للجميع. ولعل هذه المفاجأة لم تستثني منها أحداً، لا في مصر ولا خارجها، بل وربما حتى من أوعز لهم في السلطة التنفيذية الانتقالية باتخاذه، من قبل الجهة الوحيدة مالكة القرار المصري راهناً وإلى حين، ونعني «المجلس العسكري».

    على الفور، تم استحضار «كامب ديفيد»، وكان هذا الاستحضار في خارج مصر أكثر منه داخلها، لاسيما لدى المعني الأول به «إسرائيل» ومعها الغرب بالطبعً، حيث طرح الحدث المصري المفاجئ مصيرها لدى كليهما قيد التفكُّر، باعتبار أن مثل هذا الإلغاء قد يكون باكورة لما قد تحمله تداعيات جاري التحولات التي تعيش مصر ما بعد 25 يناير مخاضها العسير، والتي كم يخشى الغرب و«إسرائيله» أن تطال هذه الاتفاقية مستقبلاً.

    هذا الاستحضار لم يقلل منه مسارعة كلا الطرفين، المصري و«الإسرائيلي»، إلى محاولة التقليل من أبعاد القرار والتهوين من نتائجه، حتى لكأنما كان هناك اتفاق ضمني بينهما على ذلك. الوزيرة المصرية فايزة أبو النجا أشارت إلى أن هذا الإلغاء ما كان ليهدف إلا إلى تفادي شروط عقدها المجحفة ولوَّحت بإمكانية تعديله والعودة إلى إبرامه.

    ومن بعد كثر المتحدثون، أو اللذين أوعز لهم بالتحدث، في وسائل الإعلام المصري شارحين أن الاتفاقية ليست سوى عقد بين شركتين لا دولتين، وبالتالي لا من شأنٍ لها باتفاقية «كامب ديفيد» ولا تمس سلامها المبرم بين طرفيها. وأكد المؤكدون أن الإلغاء كان قانونياً ومن حق مصر اتخاذه نظراً لتأخر الطرف المقابل في دفع المستحقات المترتبة عليه بموجب العقد.

    بل ذهب البعض إلى الاعتقاد بأن الأمر برمته قد يكون متفقاً عليه بين الطرفين، وربطوا هذا بلا جدوى الاتفاقية عملياً في ظل انقطاعات ضخ الغاز للمرة الخامسة عشرة خلال عام الثورة الأول فحسب لتعرض أنابيبه للتفجير المتكرر تباعاً، الأمر الذي حوَّل هذه الاتفاقية إلى عبءٍ أمنيٍ بالنسبة لكليهما قد تكون له تداعياته المستقبلية التي من الأفضل لهما تفاديها، وحتى هناك من زاد فأشار إلى مكتشفات الغاز الوفيرة في شواطئ فلسطين المحتلة.

    ما أسلفناه قد يعززه وربما يقنع الكثيرين به أن لا أحد في مصر قد تعَّرض، مثلاً، إلى اتفاقية «الكويز»، التي هي الأخطر، أو غير المختلف على كونها لا تصب إلا في صالح «إسرائيل». كما أن الجميع نخباً وقوى، وانتقاليين ومبشرين مفترضين بالسلطة، أو معارضين مبكرين لهم، وعلى اختلاف الألوان والمشارب، يتجنبون ما استطاعوا مقاربة «كامب ديفيد» ويحاولون جهدهم الابتعاد عن شبهة المس بها.

    تستوي في هذا كل القوى والاتجاهات السياسية على اختلافها، بل لعله الأمر الوحيد الذي قد لا يختلف بشأنه كثيراً كافة مرشحي الرئاسة وتحاول برامجهم وحملاتهم الانتخابية تجاهله... وصولاً إلى منع الجيش المصري لاحقاً لمسيرةٍ شعبيةٍ حاولت الخروج من مدينة العريش بهدف إزالة ما يعرف بـ «صخرة دايان» التي كان المحتلون «الإسرائيليون» قد أقاموها تخليداً لأحد عشر من طياريهمً قتلوا إبان احتلالهم لسيناء.

    قد يقول قائل إن ظروف مصر ومستوجبات ما تفرضه عليها مراحل مخاضها التغييري العسير قد تفرض عليها تراتبية أولوياتها، وعليه، فمن الظلم لها مطالبتها الآن بأكثر مما تستطيعه في مثل هذه المرحلة الصعبة. هذا صحيح، بيد أنه لا يقلل من أن فيما أشرنا إليه آنفاً ما يعزز ما سبقه ويقنع من سيقتنعون به.

    كل ما تقدم قد يسهل التسليم به لولا أنه يأتي بعد ثورة 25 يناير التي دقت بعمق نواقيس التغيير في مصر ولم تفلح مناورات ومراوحات بل مؤامرات عام انتقالي ونيف في احتوائها أو إطفاء جذوة ميادينها، رغم كل ما يتبدى من مظاهر التعثر التي تعتري راهن الحالة المصرية في ظل هذه التجاذبات الحادة والمكاسرات المستمرة ولجة التداعيات المريرة المتسارعة التي تخوضها قوى الثورة غير الموحَّدة مع متعدد أشكال وتجليات جبهة الثورة المضادة.

    وكونه أيضاً، يأتي بعد أحداث من شأنها أن كشفت عن مدى عمق وتزايد راسخ العداء للعدو التاريخي لمصر وكامل كتلة أمتها العربية في الوجدان الشعبي المصري. من مثل، جريمة العدوان الغادر والدموي على حرَّاس الحدود المصريين شبه العزَّل مع فلسطين المحتلة، والذي أعقبه محاصرة الجماهير للسفارة «الإسرائيلية» في القاهرة واقتحامها ورفع العلم المصري عليها، ثم فيما بعد إقفالها واستعادة محتوياتها إلى الكيان بعد رفض مالكي المبنى تجديد عقد إيجارها واستحالة العثور على مالكٍ مصريٍ واحدٍ يقبل بتأجيرهم مقراً جديداً تشغله سفارتهم...

    وفي الجانب الآخر، هل بالإمكان تجاهل كل ما أثاره إلغاء اتفاقية الغاز لدى الكيان غير الرسمي، أو يمكن عزله عن متعدد تصريحات جنرالاته الداعية إلى الاستعداد لخوض حروبٍ مع مصر يرونها القادمة لا محالة، والمطالبة، مثلاً، بإعادة تشكيل ما كان يعرف بالفيلق الجنوبي... ماذا عن ما سُرِّب حول ما يدعى «تقرير ليبرمان»، الذي يصف التغييرات الجارية في مصر بالأخطر على أمن الكيان من النووي الإيراني؟ أو تشبيه نتنياهو لسيناء المصرية بالغرب الأميركي؟!

    سيأخذ ما أثارته الخطوة المصرية المنطقية موضوعياً مداه، وستتعدد التفسيرات وتتراكم التحليلات، لكنما ستظل الحقيقة الماثلةً التي لا من سبيل لحجبها بعد اليوم، وهى أن مصر قد عاشت على مدى عقود «كامب ديفيد» الكارثية، هذه الملحقة لأفدح الضرر بالإرادة السياسية العربية، والتي عانت الأمة ما عانته من تداعياتها الوخيمة ولا تزال، ما يُتفق على توصيفه «سلاماً بارداً»، ذلك بفضل من رفض الشعب المصري المطلق للتطبيع مع عدوه... سلام لم يقلل من صقيعه آنذاك أن النظام المصري على مدى تلك العقود العجاف كان نصيراً أمنياً بامتياز لعدو المصريين لدرجة أن استحق بجدارة أن يخلع «الإسرائيليون» عليه صفة «كنزهم الاستراتيجي»... بعد 25 يناير بات هذا الموصوف بالسلام البارد مستحيلاً... «صخرة دايان»، وكل الصخور التي يلقيها انتقاليو بقايا الفلول في مجرى التغيير المصري، ليست سوى فتات من متراكم انهيارات جبل «كامب ديفيد».




    عدل سابقا من قبل المجروح في الأحد يوليو 15, 2012 6:18 am عدل 2 مرات
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا السبت يوليو 14, 2012 4:09 pm

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    أبو فرج



    قديماً، عرف العالم، بكل أممه ومجتمعاته، أنواعاً مختلفة من الرق وأصنافاً شتى من العبودية، ولعل هذا منذ أن كان. ومع تطور الأزمنة واختلاف الأمكنة وتعدد الثقافات والحضارات، اختلفت المقاربات لأساليبه وأشكاله. وفي مرحلة متأخرة هي أقرب عصورنا إلينا بدا وكأنما عالمنا قد تخلى أو كاد عن ممارساته للأشكال التقليدية المعروفة للرق أو أجمع على تحريمها. بمعنى أنه جنح إلى الكف عن ممارسة الاستعباد المباشر للبشر القائم على التمييز المستند إلى اختلاف العرق واللون، ومن أشهره استعباد البيض للسود، والاتجار بهم في سوق النخاسة. حيث كانت للقارة الإفريقية، أو الأفارقة السود تحديداً النصيب الأكبر والأكثر بشاعة من هذا الاسترقاق.

    بيد أن أشكالاً جديدة قد نابت عن تلك القديمة وحلت محلها أو أعقبت هذا التخلي الشكلي، يستعبد فيها الأقوياء المستضعفين، ومن بينها كانت الممارسات الاستعبادية الاستعمارية الأوروبية، التي توسعت أساليب استعبادها لأمم وشعوب بأكملها تعددت ألوانها وأمكنتها، حيث أعطى المستعمرون لأنفسهم، ليس استغلال من يستعمرونهم فحسب، بل حتى حق إبادتهم ومحوهم من الوجود، وهذا ما فعلوه للسكان الأصليين، وعللوا مثل هذا الحق في مختلف القارات التي اكتشفوها والبلاد التي استعمروها بالنظريات العنصرية المعروفة، التي تستند على زعم التفوق العرقي أو الحضاري ومبررات فشل عملية تحضير هؤلاء المتوحشين.

    هناك الكثير من الأمثلة ومما يمكن قوله في هذا أكثر، وبعض الإحصائيات تقول بموت أكثر من عشرين مليوناً من الأفارقة المستعبدين وهم ينقلون بالسفن عبر الأطلسي لبيعهم كرقيق عامل في مزارع السادة الأوروبيين فيما عُرف بالعالم الجديد، لكنما لابد من الإشارة إلى أنه يعد من أشد أنواع الاسترقاق والاستعباد التقليدية القديمة قسوةً ووحشية ما عرف عن الرومان، الذين كانوا يتسلون بمشاهد الوحوش وهي تنهش أجساد العبيد في حلقات المصارعة بين المنكودين، الإنسان المستعبد والحيوان المأسور للترفيه عن السادة المالكين لهما.

    وربما مثله ما عرفه الأفارقة السود أنفسهم وهم يتعاملون مع عبيدهم أو المهزومين من القبائل المعادية، حيث لا يكتفي المنصورون باستعبادهم ومصادرة أطفالهم بل والتلذذ بأكلهم، وربما عادة خطف المتمردين الأفارقة في زمننا هذا للأطفال وتحويلهم إلى مقاتلين مرغمين يعملون لصالحهم في مناطق التوتر الإفريقية هو امتداد لتلك العادات القديمة.

    العرب كسواهم من أمم الأرض عرفوا قديماً مثل هذه العادة اللا إنسانية، لكنما ربما كانوا هم من الأرحم في ممارستها، وهم الذين عرفوا بأنهم كانوا الفاتحين الأرحم في التاريخ البشري، وكان الإسلام أول من دفع باتجاه منع الاستعباد والحض على تحرير الرق، ومسألة «فك رقبة» الواردة في النص القرآني معروفة، ومن بين من حُرروا من الاسترقاق كان نفر من كبار الصحابة المعروفين والذين منهم من قاد الجيوش الفاتحة، ومنهم من تركوا من بعدهم مآثرهم الباقية في الأجيال اللاحقة حتى قيام الساعة.

    وحتى عقود متأخرة، كان بقايا مظاهر الرق القديم توجد ذيولها، بشكل أو بآخر، في بعض مناطق العالم العربي، ومؤخراً سمعنا بمزاعم عن بعضها حتى في هذه الأيام. في جنوب فلسطين لاسيما منطقة النقب عرفت القبائل ذات الأصول البدوية الكبرى الخمس اقتناء الرقيق الأسود، الذي كان يعمل في الرعي والمساهمة في الحروب القبلية التي كانت تندلع بين هذه القبائل أو ما يجاورها، كان هذا حتى أواخر العهد العثماني.

    ومع الزمن انتهى الرق وبقي أحفاد العبيد باعتبارهم جزءاً من العشيرة، لكن مع الحفاظ على الفارق المعنوي والاجتماعي بين من كان السيد ومن كان العبد.

    كان أبو فرج هو آخر عبيد العائلة الباقي على قيد الحياة، والذي قيد لي رؤيته في طفولتي. كان عجوزاً عملاقاً بلغ من العمر عتياً، يحظى بمعاملة خاصة لسنه، وربما باعتباره تحفة حية في نظر العائلة ترمز إلى تلك الأيام الخوالي، كان يعيش بعيداً مع أسرة شقيقة لأمه الذي كان من موالي عشيرة أخرى، لكنه يقوم بإطلالات منتظمة يزور فيها مضافات العائلة، يعود بعدها وقد حظي بالعطايا التي أصبحت تقليداً أو حقاً دارجاً له على من كانوا أسياده، وأذكر أنه عندما وافته المنية أوصى بأن يدفن في مقبرة العائلة وكان له ما راد.

    كان الذي يحيرني وأنا في بدايات عقدي الثاني من العمر أن أبا فرج عندما يأتي ويتصادف أن التقيه وأسلم عليه يصرّ على تقبيل يدي، وكان هذا من غير المفهوم ولا المقبول بالنسبة لي آنذاك، لأنهم علمونا في ذلك الحين أن الصغير هو من عليه أن يقبّل يد الكبار من ذويه من والدين وأعمام وأخوال احتراماً. ذات مرة شكوت الأمر إلى والدي، الذي ابتسم، وقال لي عبارة لازلت أذكرها: يا بني «لا تتعب نفسك، هذا لحق عصر الطاعة»، بمعنى أنه في عمره الذي بلغه لن يكف عن عادة قديمة أصبحت في دمه بعد أن كان قد نشأ عليها.

    كان هذا في أوساط الستينيات، إبان المرحلة الناصرية التي تضج بروح التحرر ومواجهة الاستعمار، وكنا في المدارس نتلقى دروساً تنسجم مع روح تلك المرحلة الضاجة بالآمال والأحلام التحررية النبيلة. وذات يوم كانوا يشرحون لنا كيف يواجه المناضلون الأفارقة في الكونغو مستعمريهم البلجيك بقيادة زعيمهم لومومبا. وكنا ونحن نستمع لمعلمينا من الحماسة بحيث بدأنا نحلم بأننا نقفز مع القرود في أدغال القارة السوداء، نلاحق المستعمرين ونطردهم من ربوعها المستعمرة.

    وعدت من المدرسة لا تفارقني حماستي تلك، وتصادف أن مررت بالمضافة حيث كان أبو فرج في إحدى زياراته يقعي إلى جانب دلال القهوة، التي كانت من طقوس تلك الأيام، حاول العجوز النهوض لتحيتي فعاجلته مسلماً، وجلست إلى جانبه وأنا أعيش حلمي الافريقي. بادرني كالعادة، «إيش الأخبار يا حبّاب؟»، و«حبّاب» هذه كانت بمعنى يا سيدي في موروث أبو فرج. شعرت بأن اللحظة المناسبة لإبهاج أبو الفرج قد حانت وأسعدني أن انتهزها، وبذات الحماسة التي عدت بها من المدرسة، لخصّت له الأخبار التي سمعتها، مبشّراً إياه بأن الأفارقة السود المستعبدين قد ثاروا على المستعمرين البيض وطردوهم من الكنغو وتحرروا من مستعمريهم، وحين فرغت صمتُ منتظراً ردة فعله على ما نقلت، متوقعاً بالطبع بأنه، وهو الأسود، سوف يكون الأكثر سعادة من سواه بما بشرته به للتو...

    فاجأني تعقيب أبو فرج، الذي لازلت أذكره نصاً وباللهجة المحلية، وكان كالتالي: «لعن الله أبوهم... بيثوروا على أسيادهم؟!»...

    العصور الحديثة، اتسعت وتطورت وتموّهت مظاهر الرق وتلاوين العبودية، بل تعولمت، وحتى اتسمت فلسفاتها بالحداثة أيضاً. ولعل أخطرها كان الاستلاب الثقافي والحضاري والإحساس بالدونية لدى شعوب وأمم ابتليت بالاستعمار وخضعت للهيمنة. ومنها من افتقدت هويتها وثقافتها وحتى لغتها، و منها انخرطت في محاولاتها التماهي مع المستعمر كلياً، كما هو الحال في العالم الجديد وافريقيا، وبعض المحيط الهادي، ومنها أخرى حاولت التكيّف مع السيد الأوروبي والإفادة من التبعية له اقتصادياً كما هو الحال في بعض أطراف آسيا وسواها. وبعضها وجدت النجاة في تقليد المهيمن ومحاولة استرضائه واتقاء شروره.

    وفي هذه الأيام، وأنا أتأمل في أحوال أمتنا العربية التي لا تسر وهي تواجه جبهة أعداء خارجية وداخلية ولا أوسع، وغزواً ثقافياً واقتصادياً يستهدف ثرواتها وهويتها وإرادتها... فأنا لا أخشى مصيراً لها مشابهاً لمصائر تلك الشعوب، فلنا تاريخ وقيم ومواريث حضارية وثقافية ومعنوية وكفاحية من شأنها أن تحول بيننا وتلك المصائر التي سيق لها سوانا مكرهاً أو راغباً ... لكنما، لا يسعني وأنا أتابع مآثر استلاب ما يطلق عليهم الليبراليون الجدد من مثقفي الأمة تحديداً إلا أن أتذكر المرحوم أبو فرج الذي مات ولم يبرح «عصر الطاعة»!
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا السبت يوليو 14, 2012 4:11 pm

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    أوباما «الإسرائيلي» ... وساركوزي الفلسطيني!



    لا يمكنك أن تدلي بدلوك في راهن المعمعة المثارة هذه الأيام في أروقة الأمم المتحدة حول طلب قبول عضوية فلسطين فيها، دون أن يتوجب عليك الانطلاق من المسلمات البدهية والموضوعية الآتية:

    أولاها: إنه لا دول بلا أوطان ولا أوطان بلا أرض يتحقق فيها الاستقلال الوطني وتكون عليها السيادة الوطنية. في الحالة الفلسطينية، فلسطين التاريخية كلها محتلة من نهرها إلى بحرها، ونصف شعبها مشرد في المنافي والنصف الباقي داخل معتقلات كبرى مسيجة بالموت ومحاصرة بنوايا الإبادة ومهددة باستراتيجية الترانسفير. وعليه، الطلب في مثل هكذا حالة مهما كان محقًّا كان لا بد وأن يوازيه على الأرض فعل مقاومة وفق استراتيجية تحرير ونهج إدامة اشتباك ومواصلة صراع حتى استعادتها التي لا تعني سوى تحريرها.

    وثانيها: إن الملجوء إليها طلبًا لاعترافها، هي من أنشأت دولة الاغتصاب الاستعمارية في فلسطين عندما شاركت الصهاينة عدوانهم حين قسَّمتها بين الغزاة وشعبها، وبذا شرَّعت وجود كيان الغزاة على 78% منها بعيد نكبتها، كما وأنها كانت وهي اليوم في ظل الموازين الدولية القائمة ليست سوى أمم الغرب المتحدة المختطفة لصالح السياسات الأميركية التي يصعب حتى على المنجمين التفريق بينها وبين السياسات «الإسرائيلية» في كل ما يتعلق بقضايا العرب. وهل ننسى متراكم القرارات التي أُتخذت منذ النكبة، والتي إن لم تكن في صالح الفلسطينيين تمامًا إلا أنها ليست في صالح «الإسرائيليين»، ولم يُنفَّذ واحد منها؟! البارحة فحسب أبلغ رئيس الولايات المتحدة أممه التي جاءها شاهرًا سيف الفيتو سلفًا، بأنها ليست المكان الذي يجب أن يلبى فيه مثل هذا الطلب!

    وثالثها: إن الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية أيام إنتاجها الكفاح المسلح كانت أكثر عددًا من تلك التي كانت تعترف بـ «إسرائيل». وإن الدولة المستقلة كانت قد أعلنت منذ ثمانينيات القرن الماضي في مؤتمر قصر الصنوبر في الجزائر، وظل هذا الاستقلال وقبله الاعتراف حبرًا على ورق، وازداد طين التصفية بلة بعد الجنوح نحو تغريبه أوسلو التفريطية، والمؤكد اليوم أنه وبفضل من الفيتو الأميركي المشرَّع لصالح «إسرائيل» دائمًا لن يقبل الطلب في مجلس الأمن، وعليه، فإن جل ما قد يكون المتحقق المحتمل هو ما لوَّح به ساركوزي باسم الغرب، وليس خروجًا أوروبيًّا على بيت الطاعة الأميركي كما يتصور البعض، هو «دولة بصفة مراقب» في الهيئة الدولية لا أكثر.

    إذن، لماذا استنفر الغرب قواه وشن حملة ضغوطاته محاولًا منع الطلب من الوصول إلى مجلس الأمن؟! الجواب جاءنا من عند ساركوزي، إنه لخشيته من عقابيل استخدام الفيتو الأميركي في مثل المرحلة التي استيقظ فيها المارد الشعبي العربي الذي لا يخشى الغرب ولا يحسب لغيره حسابًا... وعليه، فالمعمعة في أروقة الأمم المتحدة تدور الآن لإغماد سيف هذا الفيتو المسلول بغية عدم الاضطرار إلى استخدامه، ذلك بصرف الطلب باتجاه الجمعية العامة حيث العرض أو المقترح الساركوزي ...

    والآن وقد قدم أبو مازن الطلب إلى الأمين العام للمنظمة الدولية، وألقى كلمته المؤثرة التي حظيت بتعاطف أغلب الحضور، ومثل هذا التعاطف مع عدالة القضية كان دائمًا متوفرًا لكنه في السياسة الدولية وحساباتها لا يعني بالضرورة تأييدًا عمليًّا، نأتي إلى رابع ما بدأنا به من نقاط اعتبرناها في حكم المسلمات، وهي أن سلطة رام الله ذهبت كل هذا المذهب ضمن استراتيجية تفاوضية لا تحريرية وهي لا تخفى ذلك، وهذا ما أكده أبو مازن في خطابه، وعليه فالمساومات ليست الواردة فحسب بل وبدأت مؤشراتها تُلمح من الآن إلى خفاياها، مثلًا، مقترحات ساركوزي لا يمكن إغفال ربطها بما قاله نبيل أبو ردينة، من أن ساركوزي قد أطلع أبو مازن سلفًا على مقترحاته خلال اجتماعهما قبل أيام وأن الأخير قد وعده بدراستها، ويكتمل مثل هذا الربط بما صرَّح به نبيل شعث من أن الأخير «سيعطي وقتًا لمجلس الأمن لبحث طلب الانضمام الكامل قبل الذهاب إلى الجمعية العامة»، وهنا لا يمكن تجاهل ما رجَّحه آلان جوبيه وزير خارجية فرنسا، من أن تقديم الطلب لا يعني التصويت عليه في مجلس الأمن قبل أسابيع ... أسابيع، إذن لتبدأ المساومات حتى حينها، وإن هي بدأت، فهدفها ما قاله ياسر عبد ربه: «نحن هنا في الأمم المتحدة من أجل الدعوة إلى تدخل دولي فاعل بما فيه أميركا لوضع الأسس التي تفتقرها المفاوضات الجادة»!

    من الآن يمكن القطع سلفًا بما سيكون عليه مآل التغريبة الاعترافية الفلسطينية إلى رحاب الأمم المتحدة، وما الذي سيكونه سوى «دولة ساركوزي» المراقبة التي لن تساوي سوى رمزيتها ولن تبدِّل من الحالة الفلسطينية التي أنتجها الجنوح التسووي شيئًا، اللهم إلا بعض من تحسين لشروط التفاوض الكارثي ذاته... وأخطر ما فيها، إلى جانب التنازل عن المحتل من فلسطين في العام 1948، في ظل استراتيجية التفاوض والتفاوض لا غير، هو أن تنازلاتها المتوقعة، وأهمها ما ينتظر حق العودة، سوف تتم من قبل دولة لدولة... هل هذه هي مهمة «دولة ساركوزي»؟!!
    قد يكون لمعمعة الأمم المتحدة بعض من عبرة لأولئك الواهمين من العرب والفلسطينيين ممن يعلقون مستحب أوهامهم، أو تبعيتهم، على عدالة أمم الغرب المتحدة وأريحية أوباما، عبرة في إطلالة الأخير من على المنبر الدولي متحدثًا بإسهاب ذكرنا بعتاة الصهاينة من الآباء المؤسسين لدولة الاغتصاب في فلسطين عن «المعاناة اليهودية»، و«الشعب اليهودي»، الذي «يحمل ثقل قرون من النفي والاضطهاد»، وعن التهديدات المستمرة «لدولته المسكينة» المحاطة بجيران شنوا حروبًا متكررة ضدها... لمحوها عن الخريطة، مع إعادة التأكيد على ذات اللازمة الأميركية إياها، الالتزام بأمن «إسرائيل» وضمان استمرارية وجودها العدواني الذي «لا يهتز».... أوباما المستهين بالعقل والذاكرة العربية بإشادته نفاقًا بالحالة العربية الشعبية الثورية السائدة التي يتآمر عليها، تناسى ما فعلته بلاده في العراق والسودان وتفعله في اليمن وتحاول فعله في سوريا، وما فعلته وما تفعله وستفعله مع أطلسييها بليبيا، وتجاهل بالطبع المعاناة الفلسطينية المستمرة التي بلاده شريكة في صناعتها وضامنة لاستمراريتها ... كان أوباما صهيونيًّا جدًّا، لدرجة أن نتنياهو خاطبه قائلا: «أن الأمر يشرِّفك وأنا أشكرك»، وأن تمنحه الصحافة «الإسرائيلية» لقب «سفير إسرائيل»، فماذا ترك أو
    باما لأبي مازن ليشكره عليه؟؟!!
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا السبت يوليو 14, 2012 4:13 pm

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    ائتلاف حرب نتنياهو... خطوة استباقية، واحتمالات تصفوية!



    كانت بمثابة المفاجأة لبعض المتابعين العرب، لكنها فحسب، كانت مفاجأة لأولئك الغارقين في تفاصيل المماحكات البينية لدى قوى المستوى السياسي «الإسرائيلي» بخارطته الخادعة أو ذات السيولة الدائمة والاصطفافات سريعة التبدل، وبالأخص منهم أولئك الذين يتأثرون عادةً بما يرد على ألسنة المحللين «الإسرائيليين»، الذين يمعنون في ملاحقة تلك المماحكات ويتابعونها كشأنٍ داخليٍ هي من سمات الحياة السياسية في الكيان وتعد بعضاً من ملمحها، ولكونها بالأساس تمثل حقلاً خصباً لتحليلاتهم المنحازة لهذا الطرف أو ذاك، كما أنها قد لا تخلو من التسلية بالنسبة لجمهورهم من قراء صحف أو مشاهدي تلفزة... الثلاثي، نتنياهو، باراك، وموفاز، توافقوا على تشكيل حكومة ائتلاف هي الأوسع في تاريخ الكيان الصهيوني، بحيث غدا لها كرصيدٍ في «الكنيست» ما مجموعه 94 نائباً من أصل 120 هم أعضاؤه.

    في تاريخ هذا الكيان، نادراً ما تكرر مثل هذا النوع من الائتلافات، وهو في العادة خيار لا يتم اللجوء إليه إلا في حالتين، إما لتشكيل حكومة حربٍ، أو لمواجهة انعطافاتٍ كبرى تقتضي إجماعاً في مقاربتها. إذ لم يسبق مثيله إلا في حالاتٍ أربعٍ، واحدة أيام جولدا مائير، وأخرى أيام ليفي أشكول، قبيل حرب 1967، ثم حين اندلاع الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية. يعزز مما لفتنا إليه جمع هذا الائتلاف لمثل هذه الرؤوس الثلاث التي تطل علينا بوجوهها الاستراتيجية العسكرية، وإن هي في واقع الأمر رؤوس يظل كبيرها رأساً واحداً فحسب هو نتنياهو، فالآخران ضعيفان، باراك بات متآكل الشعبية، وموفاز مع حزبه يعاني بهوتاً اضطره للقبول بحصةٍ متواضعةٍ لم تزد على وزيرٍ بلا حقيبةٍ ونائبٍ لرئيس الحكومة، الأمر الذي سهَّل على نتنياهو إلحاقهما به.

    لقد بدا هذا الائتلاف لمن يحلو لهم عادةً تصنيف القوى السياسية «الإسرائيلية» يميناً ووسطاً ويميناً متطرفاً، ونحن لسنا منهم، في صورةٍ دفعتهم لاعتباره تحالفاً بين اليمين واليمين المتطرف، وكأنما في هذا التجمُّع الاستعماري الاستيطاني الإحلالي من هو غير المتطرف.

    على أية حالٍ لقد تعددت الرؤى وكثرت التحليلات التي عالجت الدوافع من وراء تشكيله، فلاحظ العديدون أن الفائز الأكبر لإتمامه هو نتنياهو، هذا الضارب به عدة عصافيرٍ بحجرٍ واحدٍ، من أولاها، تفادي حل «الكنيست» والذهاب لانتخاباتٍ مبكرةٍ و ضمان الاستمرار في ولايته حتى نهايتها. وثانيها، التحرر من ابتزازات الأحزاب الصغرى والدينية في ائتلافه القائم والتخفيف من سطوة ومزايدات ليبرمان. وثالثها، تمرير الميزانية، ورابعها، تعديل قانون الخدمة العسكرية. هذا على الصعيد الداخلي، أما الخارجي فقد حق النظر لمثل هذا الائتلاف كحكومة حرب تذكِّر بما سبقها كما أشرنا، وهى بنتنياهو وجنراليها باراك وموفاز إنما هي تحضير للضربة العسكرية الاستباقية التي طال التهديد بها للمشروع النووي الإيراني السلمي بزعم آفاقه العسكرية المضمرة، والتي حديثها التهويلي لم يسحب من التداول الرسمي والإعلامي منذ أن أثيرت المسألة ويتم الحرص على إذكاء الجدل حولها «إسرائيلياً» وغربياً كلما خبت جذوته، لاسيما قبيل وبعد كل جولة مفاوضات تعقد بين مجموعة 5 + 1 وإيران. وهنا لا يفوتنا التذكير بأن موفاز، ذا الأصل اليهودي الإيراني، هو أول من حث على التفرُّد «الإسرائيلي» بتوجيهها. وهناك من يربط الحدث «الإسرائيلي» بعدوان مبيت على غزة، أو حرب يُنتوى شنُّها عل «حزب الله» في لبنان ...

    أحسب أن كل هذه التوقعات هي في حكم الواردة، ليس من هكذا حكومة فحسب، وإنما أصلاً من هكذا كيان بغض النظر عن مسمى ولون من يحكمه، إذ لا من مستبعدٍ ولا من مستغربٍ ولا من مفاجئ من مثل من له طبيعته، اللهم إلا بالنسبة لمن درجوا على تقسيمه إلى يمينٍ ووسطٍ ويسارٍ ومتطرفٍ ومعتدلٍ ... لكن يظل لدينا احتمالان لابد من إضافتهما وعدم إغفال جديتهما بل التركيز عليهما: الأول، هو أنه ليس ائتلاف حرب فحسب، وإنما أيضاً يأتي في غير بعيد عن ترجمةٍ لرؤيةٍ تقضي بوجوب التهيئة لحالة استباقية وخطوة احترازية وترتيبٍ للأوراق استعداداً لمرحلة جديدة في الصراع العربي الصهيوني، هذا الصراع الذي فشل الانحراف التفريطي الفلسطيني، والعجز والتهاون العربي، والتواطؤ الدولي، والقوة «الإسرائيلية» - الغربية الفاجرة، في إنهائه لصالح مخططات تصفية القضية الفلسطينية... استعداداً منهم لمرحلةٍ جديدةٍ ترهص بها التحولات العربية الجارية رغم ضبابية ما يشوب راهنها... هذه المقلقة والمثيرة لكوامن الفوبيا الوجودية «الإسرائيلية» والتي هم أكثر المنشغلين بقراءة احتمالاتها والتحسب لها.

    والثاني، وهو المرتبط بالأول، هو نيَّة العودة للحكاية التسووية التفاوضية مع سلطة رام الله المحتلة، حيث يرى الكثيرون من «الإسرائيليين» وصهاينة العالم ورعاتهم أنه لا من ظروف أفضل سوف تسنح بعد لفرض تصفية الصراع العربي الصهيوني وشطب القضية الفلسطينية نهائياً أكثر مما هو المتاح الآن، الأمر الذي تلح على وجوبه الضرورة الاستباقية التحوّطية في مواجهة التحولات العربية وتداعياتها على مستقبل الصراع، و التي أقلها أنه لا يمكن التكهن المسبق بكنهها... هذا الاحتمال يجب أن يؤخذ بجدية ترتقي إلى مستوى خطورته من قبل كافة رافضي الحلول التصفوية في الساحة الفلسطينية والعربية، لاسيما وهم يسمعون الناطق الرئاسي الأوسلوي نبيل أبو ردينة يسارع إلى الدعوة إلى «اغتنام فرصة توسيع الائتلاف الحكومي» «الإسرائيلي» لتحقيق ما دعاه «اتفاق سلام»... ومع من؟! مع نتنياهو!!!
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا السبت يوليو 14, 2012 4:15 pm

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



    اشتراطات نتنياهو لسلام أوباما!


    ليقبل التفاوض المباشر، الذي لطالما رفع شعاره، اشترط نتنياهو مفاوضات مع «سلطة» رام الله بدون شروط مسبقة، بمعنى قوله سلفاً، أن لا لكل ما كان من تحفظاتها أو مطالباتها، التي ظلت تتواضع لتستقر على مجرد ما قد يتيسر من مجرد تطمينات من قبل رعاة هذا التفاوض، وأكد ذهابه إليها دونما التخلي قيد أنملة عن سياساته التهويدية، أو الالتزام بما قد يقيدها.

    تراجع الجميع، الراعي الأمريكي، والمتعهد العربي، والمتحفظ الفلسطيني... وأطلقت الرباعية الدولية، دخان بيانها الملتبس لتستر عورة هذا التراجع... كان المنتصر الوحيد في هذه المعمعة التصفوية هو نتنياهو، وهذا ما حدا بالداهية بيريز لأن يعقب منوّهاً : إن ««إسرائيل» تقف على عتبة عهد جديد»، ولم يكتم حبوره فأضاف «الكثيرون لم يكونوا يصدقون أننا سنصل إلى هذه اللحظة»!

    تقرر موعد الكرنفال التسووي المرغوب في واشنطن. وجهت الدعوات، فقبلت الأطراف المعنية والمدعوة مرحبة، واستعدت إدارة أوباما للإفادة ما استطاعت من عروضه المنتظرة لمداواة تراجع شعبيته، وبعض العدة لقريب ملاقاة الجمهوريين في ساح المعارك الانتخابية التي تطرق الأبواب منذرة الديموقراطيين بما يقلقهم. وتوخت بعض التغطية على فشله في تضميد الجروح الإمبراطورية الغائرة وهو يتابع تنفيذ جوهر سياسات سلفه بوش، في العراق وأفغانستان، وسائر ساحات مطاردة العدو اللامرئي المسمى بـ «الإرهاب»، تلك الكائنة والمرشحة مستقبلاً...

    لم يفوت نتنياهو الفرصة، استل شروطاً من جعبته التي لا تنضب، وشهرها سلفاً، وليسمع القاصي والداني أن لا تنتظروا تسوية بدون :

    أولاً : «ترتيبات أمنية حقيقية على الأرض»، بمعنى تثبيت الاحتلال في الأجزاء المطلوبة من الضفة... وجاءت التفسيرات «الإسرائيلية» اللاحقة لهذا الشرط لتتحدث عن البقاء الدائم في غور الأردن، أي على امتداد الحدود مع المملكة الأردنية، وكذا قمم الجبال المشرفة على هذا الغور. وزيادة في التوضيح يضيف «نحن نناقش اتفاق سلام بين «إسرائيل» ودولة فلسطينية منزوعة السلاح». وتضيف إلى ما أضافه هذا المصادر «الإسرائيلية» مفسرة فتقول : «ولا يجوز لها عقد اتفاقيات أمنية مع أي طرف دون موافقة «إسرائيل»»... هذا حول هذه «الترتيبات الأمنية الحقيقية»، وتلك الدولة المفترضة التي بلا سيادة، فماذا عن باقي الشروط؟!

    يقول نتنياهو : «وثانياً الاعتراف بـ «إسرائيل» كدولة قومية للشعب اليهودي، ما يعني، أن مطلب حق العودة للاجئين سينفذ ضمن إطار الدولة الفلسطينية»... أو بالأحرى، شطب حق العودة نهائياً، والتبرير المسبق لتنفيذ مخططات تليدة لطرد فلسطيني المحتل عام 1948 من فلسطين لاحقاً، أو ما يعرف بمخطط الترانسفير للتخلص من الخطر الديموغرافي الفلسطيني في داخل دولته اليهودية.

    ... ويضيف «وثالثاً، انهاء الصراع»... بمعنى تصفية القضية الفلسطينية نهائياً والتسليم بانتصار المشروع الصهيوني، فلسطينياً وعربياً وبضمانة دولية.

    ما لم يذكره نتنياهو في شروطه، وهو يذهب، كما يقول، للتفاوض على الحل النهائي، هو القدس التي هي عنده قد غدت يهودية وأمسى موضوعها خارج البحث تماماً... ثم ما قاله لاحقاً وهو أنه يرفض تمديد ما عرف بقرار «تجميد الاستيطان» الذي لم يجمد يوماً...

    وكالعادة، عندما يصمت نتنياهو يتكفل ليبرمان فيكمل ما بدأه... ماذا عن تتمات ليبرمان :

    أولاً : ورغم كل تراجعات «السلطة»، يشكك سلفاً في وجود «شريك فلسطيني»، ويستبعد التوصل إلى اتفاقات تسووية خلال العام المرصود رباعياً، ويدعو محبي السلام «الإسرائيلي» الذاهبون للكرنفال الأوبامي لأن لا يبالغوا في أحلامهم فيقول لهم : «اعتقد أن هناك مجالاً لخفض سقف التوقعات والتحلي بالواقعية».

    وثانياً : فيما يتعلق بالاستيطان، يحذر ليبرمان سلفاً : «لا يمكن لـ «إسرائيل» أن تستجيب لطلب أمريكي آخر بتجميد أعمال البناء في الضفة الغربية، بعد أن قدمت هذه اللفتة في الماضي»... ويعيد التأكيد، وهو يمنن الأمريكيين على «لفتة التجميد» تلك، على مالا يختلف عليه في الوسط السياسي «الإسرائيلي» : «وأعمال البناء في الكتل الاستيطانية الكبرى يجب أن تستمر كالمعتاد».

    وهنا لابد من الإشارة إلى مصطلح «إسرائيلي» تهويدي جديد، أطلقه دان ميريدور، يتحدث عن «استيطان مقلص»، إن لزم الأمر تفاوضياً... لعل ميرادور هذا يبيع الأمريكان المخرج المطلوب من بعض حرج لابد آت نهاية فترة التجميد المزعوم الذي هو قاب قوسين أو أدنى... كما لابد من الإشارة أيضاً إلى أن قادة «المستوطنين» قد أعلنوا أنهم يستعدون لشن «حملة شديدة الشراسة على المستوى السياسي» استعداداً لتهويد بلا حدود أو تقليص...

    هذا «إسرائيلياً»، فما هو موقف الأطراف الأخرى التي سوف تسهم في كرنفال أوباما التسووي المنتظر؟!

    أولاً : أمريكياً لم يعد هناك ما يزعم الواهمون بوجوده قد يدل على أن ثمة من فارق ما بين المواقف الأمريكية و«الإسرائيلية»، بل لا يعدم الأميركان أنفسهم وجود من يدهشه مدى التماهي بين الموقفين.

    وثانياً : دولياً، وحيث لايمكن فصل الدولي عن الأمريكي، بيان الرباعية، وتاريخها، وبليرها، اثبت أنها منذ أن كانت وستظل شاهد زور وطرفاً متواطئاً، أو أقله لا يخرج عن السياق المراد أمريكياً.

    وثالثاً : عربياً، الجامعة التي غطت ذهاب رام الله إلى مجمل هذه العبثية التصفوية، عبرت عن «قلقها»، واستراحت... أما الوسيطين المصري والأردني، أو ضيفا الشرف في احتفالية أوباما السلمية، فلهما الباع الطويل دفعاً وتحضيراً لهذا اليوم الموعود!!!

    ورابعاً : أما «السلطة»، التي منعت مؤتمراً يعارض التفاوض في رام الله، فيؤكد «رئيسها» أبو مازن بأنه ذاهب للمفاوضات حتى ولو كان نصيبها 1% من النجاح!!!

    ... وبانتظار الكرنفال التصفوي هذا الأسبوع، حيث سيتفاوض المتفاوضون فيه على ما تبقى مما تسمح لهم به شروط نتنياهو، فإن هذه المفاوضات المفترضة سوف تفضي نظرياً إلى واحدٍ من أمرين : إما الفشل، وهنا لابد من الإشارة، أنه لم يجرؤ أحد بعد على التفاؤل بنجاحها، وفي هذه الحالة يكسب «الإسرائيليون» الوقت الإضافي لإكمال مسلسل التهويد لما تبقى من فلسطين... وإما النجاح، والذي لن يكون إلا بمعنى تحقيق نتنياهو لـ 99% من اشتراطاته، وتحقيق أبو مازن للواحد في المائة، من تلك النسبة من النجاح التي قال أنه سيذهب ولو من أجلها... في كلا الحالتين الفائز الوحيد هو نتنياهو، أو ما يعني أن الخاسر هو الشعب الفلسطيني ومعه الأمة العربية.
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا السبت يوليو 14, 2012 4:17 pm

    الالتفاف : تخفيف الحصار، و“الأمن مقابل الغذاء”!



    مذبحة “سفن الحرية”، وما بعدها، أو ما ينبىء بأرمادا من تلك السفن قادمة سوف تتبعها وقد تلحق بها، سددت طعنة نجلاء للحصار الإبادي البشع المضروب على قطاع غزة الصامد. لقد بدأ يتهاوى منذ أن مزقت فداحة الجريمة ما كان من جاري الصمت المشين والمتوحش واللاإنساني طيلة السنوات الثلاثة الأخيرة، وذرت ما راكمته المواقف المخزية وسياسات الدم البارد الإجرامية لأطراف ضاربيه الكثر، دولياً وإقليمياً، أو ما حرصت على استمراره، عبر شتى الضغوط متعددة الأوجه، لينتج ما شهدناه خلالها من شبه اللامبالية الكونية المريعة.

    دماء شهداء كسر الحصار، التي سفحتها الوحشية الإسرائيلية بوقاحة وجسارة وتعمّد، كان فعلة سوداء غير مسبوقة لم يعد هذا العالم المتواطئ بقادر على التستر عليها. ونحن هنا، عندما نقول العالم، فنعني هذا الذي يعد نفسه أنه وحده العالم، أو يطلق على ذاته مسمى “المجتمع الدولي”، أي المهيمن المحتكر لما يطلق عليها “الشرعية الدولية”، برموزها ومكنياتها المعروفة، المتمثلة في هيئة الأمم المتحدة ومشتقاتها... إنه باختصار، هذا الغرب الذي تتقدمه اليوم الولايات المتحدة، وامتداداته، بالمصالح، والصفقات، والضغوط، أو بالتبعية، في سائر أرجاء المعمورة، والأخطر امتداداته العربية، عجزاً وتبعية أو “اعتدالاً”، أو ما يترجم تملصاً مذلاً من كل تبعات تهمة الإرادة السياسية... ويمكن موضوعياً، أن نضيف إلى ما تقدم كل من يعترض على الحصار لكنه لا يفعل شيئاً لكسره.

    لم تبرد الدماء الزكية المسفوحة بعد، حتى هبّ هؤلاء جميعاً متكاتفين، وقد أحرحتهم فظاعتها لكنما لم تخرجهم همجيتها من خنادقهم، أو لم تزحزحهم العدوانية الإسرائيلية الوقحة عن مواقفهم المعهودة، في سعي محموم للالتفاف على تداعيات هذه المذبحة البشعة، أو انجازها المتمثل في بوادر تداعي الحصار وترنح استهدافاته.

    نحن هنا لسنا بصدد التعرض للرؤية والرواية أو المواقف وردود الأفعال الإسرائيلية المتعلقة. فكلها أمور يتلونها على مسامع العالم صباح مساء ويرددونها دون أن يرف لهم جفن، وتتكفل بإيصالها لمن يهمه الأمر تصريحات مختلف المستوى السياسي الإسرائيلي ووسائلهم الإعلامية، لا سيما منها ما يتفوه به كل من نتنياهو وليبرمان وباراك، وهي أمور اعتدنا على سماع ترجمة أمينة وفورية لها في وسائل الإعلام الغربية. لكن ما يهمنا هنا، هو التحرك المتصاعد متعدد السبل الذي تقوم به حالياً الأطراف الدولية الساعية للتغطية على الجريمة والحؤول دون المسائلة الدولية لمرتكبها، وإبعاد شبح التحقيق الدولي المفترض حول ما ارتكبه، وقبل هذه وتلك، الالتفاف على المطلب الشعبي الكوني بفك الحصار على غزة أو مساعي إبقائه عبر تخفيفه.

    الشعار المرفوع هذه الأيام بالنسبة لهؤلاء هو: لم يعد بالإمكان الاستمرار في تجويعهم... اطعموهم وحاصروهم! إنه لسان حال الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واستطراداً، ما تدعى الرباعية الدولية... ومع هؤلاء، موضوعياً، مواقف عربية وحتى فلسطينية لم يعد بالإمكان كتمها أو إخفاؤها.

    رئيس الولايات المتحدة، التي حالت دون إدانة (إسرائيل) في مجلس أمنها الدولي، أوضح بلا لبس، وهو يستقبل أبو مازن في البيت الأبيض، أنه مع تخفيف الحصار الذي “لا يمكن أن يستمر” لا رفعه. ووفق مسلمة مواصلة تغطية الجريمة (الإسرائيلية) أمريكياً بالحؤول دون تشكيل لجنة تحقيقية دولية محايدة، فهو لم يزد على دعوة مرتبكتها إلى إجراء “تحقيق موثوق به”، لضمان عدم تكرار “مأساة” قافلة “اسطول الحرية”، ودون أن ينسى التأكيد على أن اي حل في هذا السياق التخفيفي “ينبغي أن يلبي حاجات إسرائيل الأمنية”، وطبعاً مع تكرار ذات المعزوفة الأمريكية الدائمة، المتمثلة في إبداء الأمل في تحقيق “تقدم كبير” في عملية السلام خلال العام الحالي، وإخراج التسوية من “مأزقها”!!!

    إذن، الأمريكان جادون في إيجاد المخارج الكفيلة بتجاوز الجريمة (الإسرائيلية) دولياً، والالتفاف على مطلب إنهاء الحصار على غزة، من ذلك ما دعته الإذاعة (الإسرائيلية) بخطة أمريكية استراتيجية متكاملة حول الأوضاع في غزة محورها “الأمن مقابل الغذاء” شبهتها بسيئة الصيت العراقية المعروفة “النفط مقابل الغذاء”، تنفذها “قوات دولية”، أما مراميها فتتمثل فيما دعته “وقف إطلاق للنار دائم وشامل”، يتم بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية... أي، وباختصار، ليس مجرد الالتفاف على مطلب كسر الحصار المرفوض استمراره دولياً فحسب، وإنما وئد المقاومة !

    أطراف الكومبارس الأوروبي، كعادتها، سارعت لإغتنام المناسبة للقيام بواجبها المعهود، وبحثاً عن الدور على هامش المطروح وفي خدمته. الفرنسيون، اقترحوا رؤية الاتحاد الأوروبي لعملية تخفيف الحصار، أي دور المتطوع لتفتيش السفن المتوجهة إلى غزة، والإشراف على معبر رفح. والبريطانيون الأكثر دهاءً يتحركون عبر “رباعية بلير” لمراقبة برية لمعبر “كارني” وليس رفح، وهذا، وفق “الديلي تلغراف”، لتخفيف الحصار مقابل تخفيف التحقيق، ولأن إسرائيل تتحفظ على القوة البحرية، ولأنهم يضعون في الحسبان هدف الحؤول دون “تقوية حماس” بالاضطرار للتعامل معها عبر المعبر الأخير... و “لأن هذا أمر مهم جداً للسلطة الفلسطينية” في رام الله!

    ...وإذا كان هذا دولياً، فما هو الحال عربياً؟

    يمكن اختصار الأمر بالاكتفاء بالإشارة إلى المعروف مما كان من أمر الجامعة العربية، وأن نزيد عليه، ما قاله برنار كوشنير وزير الخارجية الفرنسي بصراحته، أو فجاجته، المعهودة وهو ينعى مقترحاته التخفيفية الأوروبية للحصار غير المرغوب فيها، قال: إن “أصدقائنا المصريين لا يريدون أن نتكلم مباشرة مع حماس” عبر التواصل المفترض معها إذا ما تم قبول مقترح مراقبة معبر رفح!

    ...أما فلسطينياً، بمعنى “سلطوياً”، فيمكن النظر للمسألة من زاويتين: الأولى أن أبو مازن الذي لا يزال يدعو إسرائيل لإبداء “نواياها السلمية”، قد سلم في كلمة ألقاها في معهد بروكنز بأن حل الدولتين “قد بدأ يتلاشى”، ونقلت عنه صحيفة “هآرتس” (الإسرائيلية) أنه أخبر قيادات اليهود الأمريكان في لقاء له معهم في زيارته الأخيرة لواشنطن بأنه “لا ينكر حق اليهود بأرض إسرائيل”. والثانية: إن عزام الأحمد رئيس كتلة فتح - اللجنة المركزية في “المجلس التشريعي” والمعني بملف “الوحدة الوطنية”، أو الحوار مع حماس، لم يتردد في التصريح لوكالة الأنباء الألمانية بما يلي:

    أقولها “بملء فمي أن غزة ليست بحاجة الإمدادات من المواد الغذائية أو الانسانية، فالسلطة تتولى توفير كل هذا”!!!

    إذن، المطلوب تعليق التحقيق الدولي في جريمة سفن الحرية تمهيداً لدفنه، وتخفيف الحصار مع ضمان استمراره... والمطلوب الأهم، هو إنضاج ترتيب ما يهدف في نهاية المطاف إلى وئد المقاومة... هل هذا ممكن؟!

    أقليمياً، يقول أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركي لضيوفه العرب في منتدى التعاون العربي التركي في اسطنبول: أن الاعتداء على أسطول الحرية قد شكل “فرصة لإعطاء شكل لنظام إقليمي” مختلف... ودولياً، لا زال العالم يتأمل في دلالات رؤية هيلن توماس للحل الممكن، هذا الذي صارحت به ما كان الأمريكان يطلقون عليها “أيقونة الصحافة الأمريكية”، مستضيفها في احتفال يهودي أمريكي، أو ما أجبرت بعده على التقاعد: “اخرجوا من فلسطين وعودوا من حيث أتيتم”!
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا السبت يوليو 14, 2012 4:18 pm

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    السودان.. حكاية انفصال



    أقل من مائة يوم والسودان أمام استحقاق مصيري داهم. ذلك هو موعد استفتاء جنوبه على ما دعته اتفاقية نيفاشا تقرير مصيره. يختار الجنوبيون في يومه الموعود واحد من أمرين، بقاءهم ضمن السودان الموحد أم الانفصال عنه. ومع اقتراب هذا الموعد الذي فرضته تلك الاتفاقية، تتزايد شتى المظاهر، الجنوبية والشمالية على السواء، الجالبة معها يومياً دلائلها التي ترجح الانفصال أكثر من الوحدة.
    نحن هنا لسنا بصدد مناقشة العوامل الخارجية المؤثرة الدافعة باتجاه هذا الانفصال الذي أسست له تلك الاتفاقية. ضغوط رعاتها الأمريكان... الأوروبيون، الكنائس التبشيرية الغربية، الأوغانديون والكينييون وتلك الجهات ذات التوجهات العنصرية الإفريقية في دول الجوار، وقبل هؤلاء وبعدهم «إسرائيل» والصهيونية العالمية... بالإضافة إلى معهود القصور العربي بشأن وجوب محاولة إقاله هذا البلد العربي الهام من عثراته. والذي بلغ حد الإهمال. لعل هذه من الأمور المعروفة التي كانت ولا زالت وستبقى تتهدد وحدته مستقبلاً، أي سواء بقي جنوبه ضمن ترابه الموحد أم انفصل عنه. لأن هذه الجغرافيا العربية ذات الخصوصية الفريدة، التي هي السودان، بما عناه ويظل يعنيه كجسر حضاري يربط شمال القارة السمراء العربي بوسطها وجنوبها الزنجي، أو يربط الوطن العربي بالدائرة الإفريقية، وفق التوصيف الذي كان سائداً في حقبة الستينيات في بلادنا، سيظل مستهدفاً من قبل كل تلك الجهات إياها المتضافرة لقطع عرى هذا الجسر، تدفعها جملة من الأهداف الاستعمارية في القارة أولاً، وثانياً في السياق الاستراتيجي العام للمشروع الغربي ومتفرعه الصهيوني في بلاد العرب، الرامي إلى التفتيت وتجزئة المجزّأ فيها بغية تسهيل مشاريع الهيمنة وخدمة سياسات النهب، وتثبيت تفصيله «الإسرائيلي» في قلبها، وجعله مركزاً مقرراً ومسيطراً فيها تدور من حوله شظاياها، باعتباره وكيلاً مؤتمناً وحيداً وحارساً قادراً للمصالح الاستعمارية في المنطقة.
    في الحقبة الاستعمارية البريطانية كان الجنوب السوداني معزولاً تماماً عن الشمال وكان من ذلك الحين بقعة برسم الانفصال عن باقي الجسد السوداني. إذ أقفل في حينها ليكون حكراً على الإرساليات التبشيرية وحدها، هذه التي صنعت في مدارسها شريحة من الانتلجنسيا الجنوبية المثقفة وشكلتها كأداة مستقبلية وخميرة دائمة لهذا الانفصال. وعندما غادر البريطانيون تاركين أسافينهم في السودان، كما فعلوا ويفعلون دائماً في أي بقعة حلو أو يحلون فيها، تركوا الجنوب بيئة متخلفة وبقعة خاوية لا أثر ولا وجود فيها لأي بنى من أي نوع تدل على أبسط مظاهر الدولة فيه، أو ما قد يبني عليها. غالبية أرواحية ساحقة تعيش في الأدغال أو تجوسه مع أبقارها في فصل الجفاف القصير وتعزل في أدغالها إبان فصول الأمطار والمستنقعات المديدة، وما تبقى انقسم بين فئتين 19% من المسلمين و17% من المسيحيين. والجميع رهن حياة قبلية مغرقة في قبائليتها التي حلت محل الهوية الوطنية، والتي أبرزها القبائل الكبرى الثلاث الدينكا والشلك والنوير.
    هنا لابد من العودة إلى التاريخ... في تربة الإرساليات (الاستعمارية) التوجهات نشأت أقلية الانتلجنسيا الانفصالية المشار إليها، وتم تعميدها بالأحقاد الدفينة على الشمال، وأشبعت بالروح العنصرية ضد العرب. أما باقي الجنوب فظل في واد آخر، ففي حين أن ثقافة غالبية الانفصاليين غربية ولغتهم هي الانكليزية، فإن الأغلبية، التي يستشري فيها الجهل، كانت ولا زالت لا تتفاهم قبائلها ذات اللغات المحلية المختلفة إلا بما يعرف بلغة جوبا، وهي العربية الدارجة هناك بلكنتها المحلية. لكن الانفصاليين بامتداداتهم القبلية وتأثيراتها، وبتشجيع من القوى الإقليمية والدولية الساعية لفصل الجنوب، حركوا الجنوب ضد شماله منذ أول يوم حصل فيه السودان على استقلاله ولا زالوا يفعلون... من يومها بدأت قصة الانفصال، هذا الذي بدأ يرجحه المرجحون أو ينتظرونه بعد أقل من المائة يوم التي تفصلنا عن يوم الاستفتاء، إذا ما تم، والتي بدأ عدها العكسي.
    لقد قبل الشمال، أو الحكومة المركزية في الخرطوم، والمنتصر جيشها في حربه مع الحركة الشعبية المتمردة بند الاستفتاء مكرهاً تحت طائلة الضغوط الهائلة والمتعددة من رعاة هذه الاتفاقية، وترك له التعلل بمقولة جاءت في ثناياها، تتحدث عن ضرورة السعي لتغليب خيار «الوحدة الجاذبة» التي أضحت مع الأيام أقرب إلى النكتة. ومن يومها أدار حكاية الانفصال جنرال أمريكي، وناورت الحركة الشعبية للتعمية على مساعيها الدؤوبة للانفصال الجاذب لا للوحدة غير المرغوبة. وكان مقتل زعيم الحركة جون غرنق في حادث طائرة غامض وهو يغادر كامبالا مدار تكهنات كلها تصب في صالح ترجيح احتمال تصفيته باعتبار أنه قد لاحت لديه بعض المؤشرات على توجهات وحدوية كان لابد من تفاديها. والطريف أن خليفته في زعامة الحركة سيلفاكير الذي كان ينأى بنفسه عن حديث الانفصال قد تعرض لحادث مشابه مؤخراً نجا منه، وأيضاً وهو في طريقه إلى السودان مغادراً كامبالا... سيلفاكير هذه الأيام أسفر عن وجهه الانفصالي علناً...
    منذ نيفاشا بدا وكأن العرب (قولاً لا عملاً) هم أكثر قلقاً على مصير وحدة السودان من أهله، وكان في هذه المفارقة ما طرح على القلقين سؤالاً محيراً، وحتى ما جعل المتفائلين وكنت واحداً منهم، يرجع ذلك ربما لتوفر معطيات غير معلنة لا نعرفها تطمئن الشريك الشمالي في الاتفاقية إلى وحدة البلد وترجحها عنده. لكنما المفزع هو أن ما يبدو في الشمال الآن، حكومة ومعارضة وشعباً، هو أقرب إلى التسليم بالانفصال، حيث يعمه حديث الحرص على توفير السبل الممكنة لجعله فراقاً سلساً وبعيداً عن غوائل عودة الحرب التي لا يريدها لا الشماليون ولا الجنوبيون على السواء.
    إن نظرة متفحصة تتسم بمحاولة تنحية مواقفنا المنسجمة مع منطلقاتنا القومية المبدئية التي ترفض التسليم بالتفريط في سنتيمتر واحد من الأرض العربية، تكشف لنا بيسر أنه خلف هذا يكمن إحباط تاريخي شمالي تعمق ليغدو الأقرب إلى اليأس من حل مسألة الجنوب لصالح السودان الواحد. إحباط يتعاظم ويكشف عن انفصالية شمالية لا تقل في انفصاليتها عن تلك الجنوبية... فحيث أن في الحركة الشعبية انفصالييها ولا تعدم وحدوييها وإن كان جناحهم خفيضاً، فالأمر نفسه بالنسبة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي لا يعدم انفصاليوه أيضاً، بل إن استطلاعات الرأي العديدة تكشف عن أن غالبية الشماليين يتمنون بقاء وحدة الوطن وفي نفس الوقت يقولون، إذا كان الجنوبيون يريدون الانفصال فلينفصلوا!
    لا أدل على الإحباط الشمالي الراهن من ملاحظة أن جميع الحكومات العسكرية التي عرفها السودان قد أُسقطت بمظاهرات شعبية تطالب بحل مسألة الجنوب، وكل الحكومات الديمقراطية التي خلفتها أيضاً سقطت أو أسقطها العسكر لذات السبب أو متذرعين به، أما اليوم فلم تظهر حركة احتجاجية شعبية واحدة تعارض حدوث هذا الانفصال الوشيك الذي تتحدث بعض الأنباء عن بعض الإعداد الحثيث له، على سبيل المثال، في كل من أوغندا وكينيا عبر حشد ما يقارب الثلاثة ملايين يوغندي وكيني من قبائل المناطق الحدودية مع السودان ليشاركوا كسودانيين مزعومين في المنفى في هذا الاستفتاء الموعود، وطبعاً لصالح فصل الجنوب!
    الديمقراطية الأولى أسقطها انقلاب عبود وكان الجنوب واحداً من مسببات انقلابه، والديمقراطية الثانية التي تلت إسقاط نظامه، أو حكومة سر الختم خليفة، التي أقامت المائدة المستديرة لحل المسألة، والتي أسفرت عن مشاركة الجناح السياسي لحركة التمرد، أو الرعيل الأول المتمرد، كلمنتو ألبورو وأزيوني منديري، في السلطة، تسبب استمرار تمرد الجناح العسكري أو حركة (أنانيا 1) بزعامة جوزيف لاغو في سقوطها وقدوم نظام النميري إلى السلطة.
    النميري بدوره، وتحت ضغوط الحرب، والتدهور الاقتصادي، توصل مع المتمردين إلى اتفاق أديسا أبابا، وبدأ في بناء المصانع والجسور لتنمية الجنوب، حيث أثقل كاهل الدولة بديون هذه العملية التي لم تسدد حتى الآن إلى البنك الدولي، لكن بعد أقل من أربعة سنوات بدأ التمرد من جديد وظهرت حركة (أنانيا 2) بزعامة عبد الله شول، التي صفّاها جون غرنق فيما بعد وأحل محلها الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي صعدت من وتيرة التمرد وفاقمت من كلفته الاقتصادية فأسهمت في إسقاط النميري وتدمير كل ما بناه في الجنوب.
    وحيث جاء انقلاب سوار الذهب بما تدعى الديمقراطية الثالثة، أو حكومة المهدي، بدأ الحديث عن السبل الديمقراطية لحل قضايا الجنوب، بيد أن غرنق قابل هذا بالحديث عن الاشتراكية، والمطالبة بإلغاء التكامل مع مصر واتفاقية الدفاع المشترك مع العرب، وأوقف العمل بمشروع قناة جونغلي، مواصلاً تمرده، الأمر الذي هو بالتالي يعد سبباً من أسباب سقوط هذه الديمقراطية الثالثة وقدوم العسكر أو «ثورة الانقاذ» إلى السلطة. وعلى الرغم من أن البشير قد تمكن من حسم الموقف العسكري في الجنوب لصالح السلطة المركزية، وأضعف التمرد فانقسم المتمردون إلى جناحين، انفصالي بزعامة ريك مشار أو جناح الناصر ووحدوي بزعامة غرنق أو جناح توريت... الطريف أن الوحدويين كانوا حينها في أغلبهم من الدينكا التي هي الآن عماد الحركة الانفصالية، أما الانفصاليون فهم في غالبيتهم كانوا ينتمون إلى الشلك والنوير... على الرغم من هذا فإن في انهيار الاتحاد السوفيتي واستفراد أمريكا من ثم بقرار العالم، والضغوط الهائلة، كما أسلفنا، على السودان، ما أسهم في فرض اتفاقية نيفاشا على الخرطوم، وساعد على هذا محاولة الشمال تفادي استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي المزمن الدائم ووقف استنزاف إمكانيات السودان المستمر بسبب من هذه الحروب الجنوبية التي لا تنتهي.
    انفصاليو الشمال لهم حججهم التي بدأت، ومن أسف، تروج الآن لدى قطاعات واسعة من السودانيين، منها ما ذكرناه من دواعي الإحباط آنفاً المتعلقة بتاريخ التمرد وما ألحقه من أذى باستقرار السودان واستنزاف قدراته والحؤول دون تطوره إذ لا تعدم من يقول لك مثلاً، أن مساحة السودان 2,6 مليون كم، الجنوب هذه الـ 0,6، والشمال المليونين، أي ما يعادل مساحة كل من إيران وتركيا مجتمعتين، ولا ضير من أن تذهب هذه الـ 0,6 ونستريح. أو أن خسارة الشمال من واردات نفط الجنوب هو ما يعادل ملياري دولار، لكن كلفة الجنوب التي تقع على كاهل الشمال تظل أكثر، كما أن لدينا من الصادرات البديلة والثروات الهائلة الواعدة ومنها النفط ما تجعلنا في غنى عن نفطهم... ويمضي في سوق حججه، أنهم إن انفصلوا ما الذي سنخسره؟ إنهم حتى لا يستطيعون حجب المياه عنا إن شاءوا، لأن إقامة سدود لديهم معناه، لطبيعة الجنوب، غرقهم في المستنقعات. ولا يستطيعون تصدير نفطهم إلا عن طريقنا لأن الأرض في الجنوب مرتفعة وتنحدر شمالاً، وأي محاولة لتصديره عبر المحيط الهندي، كما يحلم الأوغنديون والكينييون، عملية غير اقتصادية وخاسرة تماماً. باختصار هم في حاجة لنا ولسنا في حاجة لهم!
    إلى جانب هؤلاء، هناك من الشماليين من يرى أن الوحدة لن تتحقق بين الشمال والجنوب إلا بعد انفصال الأخير، مستنداً فيما يذهب إليه إلى أن أغلب التوقعات لجنوب ما بعد الانفصال تقول بأن انعدام أسس الدولة في الجنوب سوف يعني الحاجة للمليارات لكي يتم بناؤها، وهي إن قامت فستعيش هذه الدولة على المساعدات إن توفرت، وستكون بالتالي، إلى جانب مظاهر الفساد الذي رافق الفترة الإنتقالية، دولة فاشلة وفق التعريف المعروف. كما أن الكثيرين يرجحون اندلاع حروبٍ أهلية جنوبية جنوبية. ويتوقعون تطهيراً عرقياً لمعارضي الانفصال ومعارضي الحركة الشعبية على السواء حتى ولو كانوا انفصاليين، إلى جانب هيمنة الدينكا على الدولة الوليدة الأمر المحفز لتمرد ما عداها عليها.
    هناك مسألة في حاجة لتسليط الضوء عليها، وهو تلكؤ الحركة الشعبية المتعمد في الإيفاء بحل القضايا محل الخلاف والتي تنص عليها الاتفاقية، وتباطؤها الرامي لتأجيل ترسيم الحدود، لاسيما في منطقة أبييه النفطية المختلف بشأن تبعيتها، وهذا يفسر بداية الحديث الشمالي عن أن لا استفتاء بدون ترسيم الحدود... لماذا؟ لأن بقاء الأمر كما هو إلى ما بعد الانفصال يجعل المشكلة تصبح بين دولتين، الأمر الذي يصعّد من مواقف الجنوبيين، أو يجعل من التدخل الدولي الذي لا ينتظر من يستدعيه في موقع الأكثر قدرة وتأثيراً والذي هو عادة لصالحهم. وعليه إن لم يتم ترسيم الحدود ولم يجر الاستفتاء وغيره من القضايا التي لم تحسم بسبب من ذلك، وأعلن انفصاليو الجنوب انفصاله من طرف واحد كما يهددون... فهل من سبيل سوى الحرب... هذه التي يقول الرئيس السوداني أن ماشاكوس ما كانت لتبرم وما كان بند تقرير المصير ليكون مقبولاً بين بنودها إلا من أجل إيقافها؟!
    ... إن استحقاق الاستفتاء في جنوب السودان هو سيفٌ آنيٌ مسلط على عنق هذا القطر العربي، وإذا ما فعل فعلته المتوقعة في جغرافيته، مستغلاً هذه المرحلة المنحدرة من تاريخ الأمة، التي ينهش فيها الصهاينة قلبها وتتناهش الأمم أطرافها المستفرد بها، والتي تحولت فيها قضيتها المركزية في فلسطين إلى مسألة استيطانية عنوانها الراهن أيجمّد الاستيطان أم لا يجمّد، والصومال إلى شأن أوغندي، وشمال العراق دولة غير معلنة، لا يؤذن للعراقي العربي بالإقامة فيها بدون تصريح، وينذر هذا العربي في كركوك، وتماماً على طريقة ما يحدث في القدس، بوجوب مغادرة بيته والرحيل عن المدينة... إذا ما تم فصل جنوب السودان عن شماله، هل للعرب أن يلوموا أحداً سوى أنفسهم؟!
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 5:49 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    السودان...ألغام نيفاشا تنفجر في هجليج!


    فعلتها جوبا. أحكمت التوقيت بعد أن بيَّتت التدبير، فكانت المفاجأة من نصيب الخرطوم. إذ بينما كان وفدا السودان وجنوب السودان يناوران ويداوران في جولة تفاوض برعاية ملس زيناوي ومباركة الإتحاد الأفريقي في أديس أبابا لإنجاز ما لم ينجز من قضايا السلام العالقة بينهما، كان هجوم الجنوبيين المباغت على هجليج الشمالية، وبذا ضمنوا نتيجة المُدبَّر فاحتلوها. لم يكن بوسع الخرطوم إلا تلقِّي الخديعة والخسارة والإهانة بغضبٍ يناسب حجم ما تلقته. البرلمان السوداني أعلن «حكومة جنوب السودان عدواً»، وقرر العمل على إسقاطها. الحكومة أعلنت ألا تفاوض مع الجنوبيين قبل انسحابهم من هجليج. أُعلن النفير الشعبي، ووجِّه الجيش لاستعادة المُحتل من التراب الوطني. اتسعت رقعة المعارك فتعدَّت هجليج ففُتحت جبهات حدودية أخرى، ومنها ما فتحها الجنوبيون بالقرب من أبيي ... وصل الأمر حد مخاطبة الرئيس السوداني شعبه قائلاً: «هناك خياران، إما أن ننتهي في جوبا، أو ينتهون في الخرطوم، وحدود السودان القديمة لا تسعنا نحن الاثنين...هجليج ليست المعركة النهائية، بل ستكون في جوبا» ... لماذا هجليج؟!

    قبل أعوامٍ سبعةٍ عُقدت اتفاقية سلامٍ بين السودان وجنوبه في نيفاشا الكينية. كان المفترض أن تنهي أطول حربٍ أهليةٍ شهدتها القارة الإفريقية، كانت قد رافقت تقريباً كامل العقود التي أعقبت استقلال السودان، فاستنزفت إمكانياته وأخَّرت فرص تطوره وسفحت دم أبنائه وأثقلت كاهل شعبه، الأمر الذي أقنع نخباً مؤثرةً وما لا يستهان به من قطاعاتٍ شماليةٍ شعبيةٍ واسعةٍ بوجوب الانفكاك عن الجنوب والخلاص من أوزاره، وبالتالي سهَّل هذا من استجابة الخرطوم لضغوط رعاة اتفاقية نيفاشا الغربيين والقبول باشتراطاتها الساعية أصلاً لفصل الجنوب. وإذ قبلت بها لم تحسن قبولاً فابتلعت ألغام القضايا العالقة التي لم تحسمها الاتفاقية، أو التي ربما شاء مهندسوها، أو فارضوها، زرعها لأمرٍ كان في نفس رعاتها، ومنها، ترسيم الحدود، استفتاء أبيي، عائدات مرور النفط عبر الشمال، الديون، الجنسية، فمسألة ما تدعوها الاتفاقية «المَشْورة» في منطقتي جنوبي النيل الأزرق وجنوب كردفان ... عام 2005 كانت نيفاشا، و 2011 تم الانفصال، و 2012 العودة إلى الحرب باحتلال هجليج، بمعنى أن القضايا المعلقة قد بدأت تفعل فعلها... أما لماذا هجليج بالذات؟ فلأن الانفصال كان قد حرم السودان 75% من نفطه ونصف الـ 25% المتبقي منه في هجليج، وبالتالي حرمانه منه يعادل ضربةً قاسيةً لاقتصاده الغارق في أوجاعه، ويسهم في تعطيل عجلة التنمية السودانية، وهذا واحد من العوامل التي ترى قوى إقليميةٍ ودوليةٍ معاديةٍ للنظام أنها قد تسرِّع في إمكانية إسقاطه. كما أنه لا يخفى أن خلف ثغرة هجليج تكتيك جنوبي يهدف إلى إجبار الخرطوم على مقايضتها بأبيي والتي بدورها لا تخلو من النفط، كما لا ننسى أن أغلب حكام جوبا أو الممسكين بالقرار فيها هم من دينكا أبيي وبدون أبيي جنوبيةٍ لن يتسنى لهؤلاء مزيداً من طول الإقامة في سدة الحكم ... وهناك من الأسباب الأخرى ما قد تتفق في إيجادها كل من الخرطوم وجوبا، هاتان اللتان درجتا على دعم الحركات والأحزاب والقوى المعارضة والمتمردة لدى كلٍ منهما بهدف استنزافه، وهروباً من الأزمات والتحديات الداخلية أو التغلب عليها عبر حشد الداخل لمواجهة الخطر الخارجي، الأمر الذي ينبئ بأزمةٍ ستطول حتى وإن استعادت الخرطوم هجليج وهو المرجَّح طال الأمر أم قصر...ستطول، لاسيما ونحن نسمع المتحدث باسم حكومة جوبا يردد قولاً من مثل، نحن «حتى الآن لم نتجاوز أبداً حدودنا مع السودان»! ويتحدث «الإسرائيليون» عن تدارسهم الاستجابة لطلب أممي منهم إرسال «قوة شرطية» إلى جنوب السودان!

    هناك مفارقة لا يمكن التغاضي عنها بالنسبة لمن يتابع الهم السوداني ويلاحق آخر تجلياته، وهي أن الجنوبيين لم يقدموا على ما أقدموا عليه بدون مباركة غربيةٍ، بالإضافة إلى ضمانهم لأمرين، أولاهما تعويض أميركي «إسرائيلي» لخسائرهم جراء عواقب إيقافهم لتصدير نفطهم عبر الشمال الذي لا من إمكانية راهنة لتصديره إلا عبره، وبالتالي حرمان الشمال من عائدات مروره وما يتلو هذا من تفاقم أزمته الاقتصادية، أو ما أشرنا إليه آنفاً، والتي لاشك وأنها سوف تؤثر فيما تؤثر أيضاً على قدراته العسكرية في مواجهة الحركات المتمردة وهذه الحرب التي فرضت عليه الآن والتي لا يمكنه إلا خوضها، وثانياً ضمان دعمٍ شعبي جنوبي شامل لم تستثن منه قوى المعارضة على اختلافها، إذ غدا جنوب السودان بكامله يعيش حالة تعبئة عامة. هذا جنوباً، أما شمالاً، فلعل السودان يحظى بأغرب معارضة عرفتها الأمم، ففي حين توحِّد الأخطار الخارجية عادةً الشعوب خلف جيوشها وتدفع قوى المعارضة فيها لأن تضع خلافاتها مع أنظمتها جانباً إلى ما بعد درئها، نجد أن أغلب قوى المعارضة السودانية تبدو المتموضع أكثر في موقع الشامت، أو الذي يكاد كل همه إدانة النظام، وحتى ترداد بعضها بعضاً من مزاعم الجنوبيين المحتلين لجزءٍ من التراب السوداني!

    لقد كشفت ثغرة نيفاشا فيما كشفت أن السودان الذي يشهد في هجليج أول انفجارات ألغام نيفاشا، التي لم يحسن بداية تفادي زرعها ولا هو لاحقاً حاول نزع فتيلها قبل موافقته على إجراء استفتاء فصل جنوبه، لا يمتلك الاستراتيجية المفترضة لمواجهة مشاكله المتوقعة منذ البداية مع هذا الجنوب المعادي، هذا الذي تسيطر عليه نخبة عنصرية تربَّت على العداء لهويته العربية في ظل أيام الاستعمار البريطاني ورضعت حقدها الدفين حتى الثمالة في كنف تحريضٍ تليدٍ للإرساليات التبشيرية الغربية، وحظيت حركتها الانفصالية إبان عقود الحرب الأهلية وحتى إتمام الانفصال بالرعاية والدعم الكاملين من أعداء الأمة العربية، الغربيين، و«الإسرائيليين»، ومتطرفي الأفرقة في دول الجوار، واليوم هي سلطة جاهزة لتكون أداةً لعرّابيها هؤلاء الساعين لتفتيت السودان، وكل الطامحين لنسف هذا الجسر الحضاري الذي يربط العرب بالدائرة الإفريقية. ولعل فيما نما من تسليمٍ للملف مرة أخرى لرجل مثل غازي صلاح الدين العتباني، الذي كان في يده أيام مباحثات مشاكوس وسحب منه في نيفاشا، ما قد ينبئ بمحاولةٍ متأخرةٍ لتدارك غياب مثل هذه الاستراتيجية ... السودان في هجليج وأخواتها لا يواجه جيش سلفاكير ميراديت وإنما الغرب و«إسرائيله» وأفريقييهم، والسؤال المستوجب في مثل هكذا حالة، والذي لا تصعب الإجابة عليه، هو : وأين العرب؟!
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 5:50 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    بمشاركة الجميع... حفلة تهويدية مستمرة!


    تتسارع متوالية الكشف عن مخططات الحملة التهويدية للقدس وما تبقى من أراض الضفة الغربية المزدادة سعاراً. لكأنما تسريباتها ثم من بعد الإعلان الرسمي عنها باتت سياسة تحدٍ مقصودة هدفها انتزاع التسليم بما تفرضه وقائعها وقبولها كقدرٍ لا راد له. لم يمض أكثر من يومين على الكشف عن مخطط لزرع بؤرة استعمارية في قلب أبو ديس على أطراف المدينة الشرقية حتى تلاه الإعلان عن قرارات ببناء 872 وحدة سكنية مضافة في مستعمرة «هار حوما» في جبل أبوغنيم جنوبها تقطع صلتها ببيت لحم، و180 وحدة في «جفعات زئيف» في الضفة، و69 وحدة في الجولان السوري المحتل، والإيعاز بإصدار أحكام احتلالية «بتشريع» مستعمرات «بروخين وساسانا وريحاليم» وبؤرة تهويدية رابعة بمحاذاة مستعمرة «بيت أيل» شمالي القدس بالقرب من رام الله. هذا كان بالتوازي مع هدم أربعة منازل وإزالة 52 عامود كهرباء في بيت جالا مما أدى الى تعتيمها، للربط بين مستعمرة «هارجيلو» بكتلة «كفار عتصيون» الاستعمارية الممتدة حتى مدينة الخليل، ذلك بمصادرة أراضٍ مساحتها تمتد لعشرة كيلو مترات مربعة، أي الواقعة فيما بينهما... وكان قد سبق كل هذا، وبما لا يزيد على الأسبوع فحسب، الشروع في هدم مطار قلنديا الواقع ما بين رام لله والقدس بذريعة بناء مدينة صناعية على أرضه...

    لعل أكثر هذه القرارات التهويدية حظاً من حيث ما لاقاه من صدى لدى الأسلويين الفلسطينيين وبعض عرب «السلام خياراً استراتيجياً وحيداً» هو ما يتعلق بأبو ديس، ولدرجة أنه بدا وكأنما قد فاجأهم ... لماذا؟! لأن الحي التهويدي المراد غرسه في أحشاء أبو ديس اختير له مكان ذا مغزى ألا وهو مقابل مبنى «المجلس التشريعي»، الذي كانت حكومة سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود زمن رئيسها أحمد قريع قد شيَّدته مقراً مستقبلياً لبرلمانها، فيما يفترض أنها عاصمة دولتها العتيدة، تلك التي يفترض أن تمنحها لها «المسيرة التسووية» الأوسلوية، أو المفترض تسميتها بـ«القدس الفلسطينية»، التي قد يتنازل عنها أو يسمح بها الإحتلال. حينها، لمن شاء أن يتذكر، ثار الجدل وكثرت التكهنات والتسريبات حول ما عرف بـ«وثيقة أبو مازن - بيلين»، التي تمحورت حول تلك القدس!

    الإعلان التهويدي الأخير المتعلق بأبي ديس، والتي سبق وأن أقيمت على أراضيها المصادرة تجمُّع «معالي أدوميم» التهويدي، أجهز الآن نهائياً على ما زال باقياً من أوهام «قدس أبوديس» تلك، لذا بدا وكأنما كان مفاجأً لمعشر التسوويين، على الرغم من أنه ليس سوى مخططٍ قديم العهد يرقى إلى أيام أولمرت وجاء الآن فحسب دور تنفيذه، وهو ليس بمعزلٍ عن ذات الاستراتيجية التهويدية الصهيونية الشاملة لكامل فلسطينً، والتي غدت القدس وباقي الضفة أولويةً راهنهً فيها. حتى الآن عملياً تم تهويد المدينة جغرافياً ويتم الشروع فيه ديموغرافياً بسبلٍ ومخططاتٍ متعددة تسعى لإفراغها من أهلها. فمنذ العام 1999 بدأوا في زرع الأحياء اليهودية في قلب الأحياء العربية، والتي بلغت تسعاً... في رأس العامود، الشيخ جرَّاح، جبل المُكبِّر، جبل الزيتون، سلوان...الخ. هذا بالتوازي مع إقامة حزامٍ تهويديٍ ملتفٍ حول المدينة من أربع جهاتها عبر إنشاء التجمُّعات الاستعمارية الكبيرة المحيطة بها، والتي جاء الآن دور سد الثغرات الصغيرة القائمة ما بين حلقاتها الخانقة وفق ما بينَّا بعضه آنفاً...هم عادةً لا تعوزهم الحاجة الى ابتداع الحج والذرائع، فمرة لإقامة حديقةً توراتيةً، وأخرى لإنشاء مدينةٍ صناعيةٍ، أو حفر نفقٍ أو مد جسرٍ أو شق طريقٍ إلتفافيةٍ، أو لأسبابٍ أمنيةٍ ... من ذلك، مثلاً، رفض محكمتهم لدعوى قدمها محامي ورثة مفتي فلسطين الراحل الحاج أمين الحسيني الذي قام مستعمروهم باحتلال منزله وفندق شيبرد، والذريعة ؟ كانت التأخر في رفع الدعوى!

    هذه العربدة التهويدية لا تأتي من فراغ، وتنسجم مع استراتيجية صهيونية وضعت مع بدايات المشروع الصهيوني ولم ولن تتبدل وهى غير خاضعة للمراجعة بالنسبة لهم. إنها ببساطة إفراغ فلسطين من أهلها بشتى الوسائل وإحلال يهودٍ يستقدمون من أربع جهات الكون وإحلالهم محلهم. وفي مثل هذه المرحلة الكارثية فلسطينياً، والمنحطة عربياً، والأكثر تواطؤاً وانحيازاً لهم دولياً، لا يجدون ثمة ما يمنعهم من المضي قدماً في تطبيقها والتسريع فيه... اتفاقية تصفوية كارثية أسست لمسيرة تنازلات مشينة ومدمَّرة للقضية الفلسطينية، وأعطت الذريعة المنشودة لمن يريدها من عرب الهوان لينفض يده من القضية المركزية للأمة العربية، وسهلت الأمر على كل من أدار ظهره لها، وزادت فشجَّعت من لم يعد يخجل من التآمر مع أعداء أمته لتصفيتها. وسلطة بلا سلطة وتحت الاحتلال وتنسِّق أمنياً معه، ويشكِّل وجودها ونهجها غطاءً للمسيرة التهويدية على مدار العقدين الأوسلويين وغدت مجرد شاهد زور على وقائعها... مثلاً، تأكد الآن صحة التسريبات التي سبق نفيها، إذ قريباً سيعقد لقاء تقرر بين نتنياهو وسلام فيّاض «للبحث في مستقبل المفاوضات» وتسليم رسالة من ابو مازن لنتنياهو بهذا الخصوص... وعربياً، وإسلامياً، الأولون بدوا في حال من نسوا عروس عروبتهم ومن تلاهم كأنما هي لم تعد عندهم أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين...أما دولياً، فإلى جانب من يرعى كيان التهويد ويغطي جرائمه ويعصمه من المساءلة الجنائية ويمنع عنه المحاسبة ويمده بكافة وسائل العربدة والبقاء، ومن يشيح بوجهه ويصم أذنيه حتى لا يرى ولا يسمع متجاهلاً فعائله، اليكم هذا الخبر: أوقف مكتب المدعي العام للمحكمة الدولية، المعنية بملاحقة من يوصفون في الغرب انتقائياً، أو عند اللزوم، بمجرمي الحرب ومن ضمنهم الموسومون بالمارقين عليه، التحقيق الأولي في جرائم الحرب «الإسرائيلية»، بناءً على طلب فلسطينيٍ قدم قبل سنتين ... لماذا؟! تعلة ذلك، أجملها مكتب هذا المدعي العام بالتالي: «رأي المحكمة أنه يعود إلى الهيئات الدولية المختصة في الأمم المتحدة البت قانونياً فيما كانت فلسطين دولة أم لا، للنظر في إمكانية انضمامها إلى اتفاقية روما» ... جميع من أتينا على ذكرهم آنفاً هم مشاركون بشكل أو بآخر في الحفلة «الإسرائيلية» التهويدية!!!
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 5:51 am

    تهويش!


    صدر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن الملف النووي الإيراني. كان مضمونه قد سرّب قبل صدوره بأيام. هذا التسريب وظّف من حينها فيما يوظّف فيه الآن بعيد صدوره. أما خلاصته فتقول بأن طهران قد غدت في حكم من يمتلك «المعرفة» النووية، الأمر الذي يعني، وفق الترجمة الغربية، أنها على وشك امتلاك القنبلة النووية، أو ما يعني، بالعودة إلى ما كنا قد سمعناه من الغرب لثلاثة عقود خلت، إنها قد أصبحت في «المراحل النهائية» لامتلاكها. وما دام الأمر هو كذلك، فلا يهمه إذن مواصلة طهران لتأكيداتها بأنها لا تريد مثل هذا الامتلاك، ولا تذكيرها الدائم بمانع فقهي يمنعها عنه عائد إلى فتوى مبكرة من قبل الإمام الخميني. كما لا يهمه أيضاً أن هذا التقرير هو في جوهره لم يأت بجديد، وهذا توصيف روسي، حيث تساءلت موسكو، التي تنعته بالمسيّس، عن مصادر معلوماته الاستخباراتية المشكوك أصلاً بها، ثم لا بأس إن هو يستند إلى تصاميم تقول طهران بأنها كانت قد قدمتها سابقاً عن طيب خاطر للوكالة!

    كان المهم عندهم فحسب هو استصداره وتوظيفه، الذي يعني توظيف الغرب للوكالة التي أصدرته، تماماَ كما تسنى له مراراً توظيف مجلس الأمن الدولي والهيئات الدولية الأخرى، أو استخدامها لصالح مواقفه المنسجمة مع سياساته ومشاريعه في المنطقة وسواها. في مثل هكذا حالة، لاسيما وأنها تتعلق بهذه المنطقة تحديداً، عليك أن تبحث بالضرورة عن العامل «الإسرائيلي»، وعليه، لا يمكن هنا بحال فصل كل ما تقدم عن سابق توطئة «إسرائيلية» له جاءت على شاكلة تلك الضجة وذاك التهويل والتحريض المنبعث من الكيان الغاصب، وما رافقها من جدل داخلي مفتعل امتد لأسابيع خلت اتسم بتصعيد وتوتير وتهديدات وإيحاءات بقرب شن ضربة «إسرائيلية» غدت قاب قوسين أو أدنى على المنشآت النووية الإيرانية.

    قبيل صدور التقرير خفّت حدة التهويل «الإسرائيلي» وبدا أنها قد تراجعت قليلاَ، وحيث ما من إجماع داخلي حول الأمر، تعالت أصوات تحذيرية من بينها تحذير الجنرال شلومو جازيت الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية «أمان» من مغبة الإقدام على ما يلوّح به الثلاثي بيريز، ونتنياهو، وباراك، الذي يراه عملاَ سيؤدي إلى «تصفية إسرائيل»، واعتبره الجنرال موفاز أمراً يمس «المستوى الوجودي». ومنذ البدء، خلص الكثير من المراقبين إلى أن هذا التهويل «الإسرائيلي» وصداه الغربي سيظل جعجعة ليس في واردها طحن، ذلك لاعتباراتٍ عدة : أولاها، أن «تل أبيب» لن تقدم على هكذا مجازفة لها ما بعدها دون ضوء أخضر من متعهدة عدوانيتها الولايات المتحدة، تلحقها بالطبع المباركة الأوروبية، وهو الأمر المرجح أنه يظل المشكوك في إتاحته راهناً جراء مثل ما تمر به الإمبراطورية التي تعيش تراجعاً متسارعاً في سطوتها، وتعاني ما تعانيه من تداعيات أزمة اقتصادية متفاقمة، وتتخبط في معالجاتها لاستحقاقات ورطتين ثقيلتين تجهد في محاولة الخروج منهما، جراء احتلالها للعراق وأفغانستان وضريبته التي لم تعد تقوى على احتمالها، باختصار، عدم قدرتها راهناَ على شن حرب ثالثة، ناهيك عن قلقها على وجود جيوشها العريضة للتهديد في هذين البلدين وسائر المنطقة إذا ما تم الإقدام على هكذا مجازفة.

    وثانيها، أمن «إسرائيل» بحد ذاته، بعد أن هددت إيران مراراً بمسحها من الوجود إن قامت بأي اعتداء على منشآتها النووية، وتكرار طهران لمثل ما قاله مؤخراً الجنرال مسعود جزائري، من أن مفاعل «ديمونا» الذري في فلسطين المحتلة هو أسهل موقعٍ قد تستهدفه الصواريخ الإيرانية، والتأكيدات الإيرانية المتعاقبة بأن أي عدوان تشنه «إسرائيل» أو الغرب على هذه المنشآت سوف يعني «تدمير» «إسرائيل»، كما أن الرد «لن يقتصر على الشرق الأوسط».

    وثالثهاً، أن لدى إيران أوراقاً كثيرة تلعبها في أي مواجهة محتملة، لعل من أخطرها وأشدها أثراً إقفال مضيق هرمز الذي إن حدث، وبالتالي ارتفعت أسعار النفط في مثل هذه الحقبة التي تشهد فيه الاقتصاديات الغربية سلسلة متلاحقة من الانهيارات، حلّت الكارثة، ليس بالغرب وحده، وإنما في جنبات عديدة من هذه الكرة الأرضية القلقة.

    وأخيراً، احتمالات فشل الضربة الملوّح بها لجملة من التعقيدات العملية، منها العوائق الجغرافية الناجمة عن توزّع أماكن المنشآت المستهدفة وتعددها، الى جانب سرّية تموضعها، وما لهذا الفشل من محاذير مرتدة على المعتدين، منها ما قد يثيره العدوان من تعاطف مع إيران المعتدى عليها من شأنه أن يزيد من تأثيرها المتعاظم في المنطقة كواحدة من آخر القلاع المتصدية للهيمنة والبلطجة الغربية فيها.

    إذن، لماذا كان كل هذا التهويل، وعلام خبا أواره نسبياً قبيل صدور التقرير العتيد، رغم أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ما فتئ، قبل وبعد صدوره، يؤكد : «لن نتراجع قيد أنملة» عن برنامجنا النووي السلمي؟!

    الجواب نجده سهلاً إذا ما أخذنا في اعتبارنا تليد فن الابتزاز لدى «الإسرائيليين»، ذلك ما أفصح عنه باراك قبيل صدور التقرير حين قال نريد «عقوبات فتاكة» ضد إيران، وإن كنا نفضل أن «يقوم آخرون بعمل الملائكة»!

    إذن، وحيث ليس بوسع شياطين الغرب القيام بعمل «ملائكة» صهاينته، أصدر تقريره عبر وكالته كمقدمة لعقوبات باراك وفرشه لها. والمقدمة لتقريره كانت تجييشاً إعلامياً كبيراً سابقاً ولاحقاً لصدوره، يوازيه تضخيم هائل للخطر الإيراني المزعوم، كان في البدء لإخافة الجيران في المنطقة وابتزازهم، والآن هو توطئة لهذه العقوبات الباراكية التي يريدها الفرنسيون من شاكلةٍ «لم يسبق لها مثيل» في فتكها .. الضجة «الإسرائيلية» مستمرة. هذه المرة تدور رحاها حول التقرير الذي أثلج صدور «الإسرائيليين» واعتبروه نتيجة مستحقة لتجييشهم المسبق، حيث يتباهون بأن شارون هو من كان قد سبق فأسس لسياسة ظلت متبعة لديهم من بعده هدفها تصوير إيران «مشكلةً للعام» .. وبعد، هل هذا كله محاولة لإجبار إيران على التفاوض مع تخليها عن التزامها بشروطها المعلنة للتفاوض ؟!... لعل الأيام القادمة ستكشف لنا المزيد مما نعرفه ولا نعرفه عن الأهداف التي تختفي وراء كل هذا التهويش.
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 5:52 am

    درس إيراني



    كثر محللو وقارئو كف الاحتمالات التي قد يؤدي لها احتدام الأزمة المتعلقة بالملف النووي الإيراني والتي مسرحها الراهن مضيق هرمز. هناك من أدهشتهم نبرة التحدي الإيرانية الموجَّهة لمن لا تزال تعد القوة الأعظم المهيمنة في العالم، وآخرون من دب فيهم الذعر وهم يسمعون بحكاية الخطوط الحمر الأميركية التي لن يُسمح بتجاوزها، وهناك من طفقوا يعدون الساعات والأيام التي قد تسبق لحظات الانفجار المقترب. كما لم نعدم من شكك في جدية التهديدات الإيرانية، وحتى من كان يتحدث عن صفقة ما محتومة تقترب بين أصحاب الخطوط الحمر ومن يتوعَّد بتجاوزها. حتى الآن لم يتراجع الإيرانيون عن مواقفهم ولم يتزحزحوا عنها. لم يعبأوا بتحذيرات بانيتا، ولا يبدو أنهم يأخذون خطوطه الحمر في حسبانهم، بل ينصحونه بعدم إعادة حاملة طائراته وتوابعها الى الخليج بعد مغادرتها، كما لم يلتفتوا كثيراً لإدلاء البريطانيين بدلوهم عبر إرسال حاملة طائراتهم الفخورين بها «ديرينج» وتوابعها إلى المنطقة... مازالوا يؤكدون أنه في حال منعهم من تصدير نفطهم فلن يتوانوا عن إغلاق مضيق هرمز فمنع تدفق 17 مليون برميل نفط تمر عبره يومياً باتجاه عالم يعاني أزمة اقتصادية كونية ويرتعد لمجرد تصور اقطاع شريان الطاقة هذا عنه... فالمناورة البحرية الإيرانية الأخيرة المستعرضة للقوة في الخليج ومضيقه وما تخللها من اطلاقات صاروخية متعددة المديات المستهدفة الردع. والمناورات البرية التي تلت على مقربة من الحدود الأفغانية وما يعنيه اختيار مسرحها. ولاحق الإعلان عن مناورات أخرى قادمة مسرحها يتسع من مضيق هرمز وحتى مضيق باب المندب مروراً ببحر عُمَان وخليج عدن ... والإعلان عن بدء تخصيب اليورانيوم بدرجة العشرين في المئة في مفاعل فوردو المستجد المتحصن تحت الأرض في جبال قم ...... بالمقابل، حتى الآن يوالي الأميركان إرسال رسائلهم عبر الطرق الدبلوماسية، والمرسال التركي، يبتغون تهدئةً لا تصعيداً، ورغم كل ما نسمعه من ضجيج في كل الغرب المنذر المتوعِّد، نسمع في «البنتاجون» من يقول : «إن كلام الإيرانيين متشدد جداً ولابد من تهدئة الأمور، نريد بالفعل تهدئة التوتر حول مضيق هرمز المعبر البحري المهم»، ويتساءل ليجيب، ربما مبرراً جنوحه للتهدئة، «هل يقومون بإنتاج سلاح نووي؟ لا، لكننا نعلم أنهم يسعون الى امتلاك قدرة نووية وهذا يشعرنا بالقلق»... ومع هذا القلق، يمضون مهدئين بالإعلان عن أن حاملة طائراتهم ومجموعتها التي غادرت الخليج لن تعود إليه، لكنها ستراقبه من المحيط الهادئ ، ولاحقاً عندما أعلنوا عن توجه حاملتي طائرات أخريين مع ما برفقتهما من سفن الحرب الى بحر العرب لم يفتهم التأكيد على أن جولتهما «روتينية ولا علاقة لها بالتهديدات الإيرانية»... ترى ما هو سر هذا التحدي الإيراني وما يقابله تهدوياً؟!

    لندع خطوط بانيتا الحمر جانباً، وكذا العامل «الإسرائيلي» الفاعل تحريضياً ودافعه قلق حقيقي من تطور القدرات الإيرانية وتعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة، فهو وإن كان المؤثر بلا منازع، ومهما تعالى تهويشه، يظل المنضبط الذي لا يجروء على الخروج على الإيقاعات الإستراتيجية الغربية الرئيسية وثوابت المصالح الأميركية أو ما درج عليه من التواؤم معها، وعليه، لن تقدم «إسرائيل» على عدوان على إيران دون تنسيق ومباركة أميركية، ولعله غير المتوافر راهناً لأسباب سنعرض لبعضها لاحقاً، كما لما استخلصته من دروس من تجربتين مريرتين في حربيها العدوانيتين الأخيرتين على لبنان في العام 2006 وغزة في العام 2008 ... لندع هذا جانباً ولنعد لسؤالنا فنقول : لا يعزو هذا التحدي الإيراني المشهود إلا لأمرين، الأول : إن إيران، ورغم أنها المعتادة على شتى أنواع الحصارات منذ أن كانت ثورتها الإسلامية، لن ترى في خطوة بخطورة وتأثير منعها من تصدير نفطها أقل من إعلان حرب لا تملك إلا مواجهتها والرد عليها وبمستواها، دون إغفالها للحرب الأخرى الموازية التي لم تتوقف يوماً ولن تتوقف ضدها وستتصاعد، أي الاستخباراتية، والتي منها مطاردة علمائها اغتيالاً وخطفاً، كما جرى في الأيام الأخيرة من استهداف للعالم الرابع خلال عام واحد في هذه السلسلة الجهنمية من العمليات الإرهابية التي تشن لحرمانها من عقولها... والحروب المستهدفة لها عبر استهداف حلفائها في المنطقة، الحرب على سوريا، على «حزب الله»، و«حماس» وفصائل المقاومة الفلسطينية. والثاني : يدرك الإيرانيون ما بات يدركه كل العالم الذي كابد عقدين من العربدة الأميركية، وهو أن بدايات أفول زمن الهيمنة الأميركية الكونية قد دقت ساعته، وأن حدود قدرتها الجامحة بات يفضى إلى عجز فتراجع كشفت عن مستوره نتائج الحربين العدوانيتين على العراق وأفغانستان ويعبر عنه قتاد حصادهما بتجلياته المختلفة، العسكرية والاقتصادية والأخلاقية، وما تبع بالتالي من تخبط غدا من سمات سلوك الإمبراطورية المنكفئة الآفلة الهيبة. الأمر الذي حتما يسرِّع من ارتخاء قبضتها على عنق العالم، ليغري عديد القوى الصاعدة الطامحة لانتزاع أدوارها التي ترى أنها تستحقها، أو المشاركة في إدارة شؤون عالم ضاق ذرعاً ببلطجة آحادية القطبية الأميركية، لذا، فلم لا تسارع طهران كسواها للإفادة من فرص تتاح لملء الفراغات التي تنجم عن متوالية هذا الأفول؟!

    إلى هذين الأمرين، يمكن إضافة، دخول واشنطن لجة الانتخابات الرئاسية بمزايداتها ومحاذيرها، ورفض المزاج الشعبي الأميركي للتورط في حرب مضافة الى فاشلتين سبقنها يعاش راهناً تداعياتهما وذيولهما، ثم ان الأميركان يدركون عظم حجم ما راكموه من عداء تليد لهم ورفض لسياساتهم في العالمين العربي والإسلامي أسهم ازدياد منسوب حماقاتهم وعدوانيتهم في العقدين الأخيرين في إثرائه وتعميقه، وقد لا يرغبون الآن، على الأقل، في المزيد.

    وإذ بدأ الأميركان، وفق استراتيجية أوباما المعلنة مؤخراً، يستبدلون حروبهم المباشرة المكلفة والفاشلة بالقذرة التي لهم فيها تراث وباع طويل، واعتماد القوة ذات المنحى الإلكتروني والأبعاد التكنولوجية المتطورة والأقل اعتماداً على العامل البشري، والتركيز على تعزيز بحريتهم في المحيطات، وغدت «إسرائيل» تعد للعشرة قبل شن حرب عدوانية جديدة في المنطقة تعلم أنها لن تنجو من عواقبها، ما الذي يمنع إيران من مزاولة التحدي، لاسيما وإنها تدرك أن جاريها الكبيرين، الروسي العائد من بياته الشتوي والصيني المتحفز لدورٍ يستدعيه وزنه الكوني المتعاظم، يلتقيان معها في المصالح ويباركان مواربةً تحديها. هذا التحدي الذي حمل الرئيس نجاد الى أفنية الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، أميركا اللاتينية، المائرة بنزعتها الاستقلالية ونشدانها الانعتاق من ربقة التبعية الأميركية ... هل هناك من مواجهة لا يريدها لا الأميركان ولا الإيرانيون ولا دول المنطقة ولا عطشى الطاقة في الغرب والشرق؟!

    حتى الآن فرص التهدئة ومكره التعايش هما الأقوى ... ويظل السؤال : هل العرب في وارد الإفادة من مشهود الدرس الإيراني؟؟!!
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 5:53 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



    دولة في الأمم المتحدة... لا وطن بلا أرض ولا دولة بلا وطن!


    ليس في التراجيديا الفلسطينية المستمرة، لا سيما في فصولها الراهنة، من مشهد هو أقل مرارة من سابقه أو مما قد يليه. والمسارات التصفوية المتوالية للقضية الفلسطينية، على تعدد عناوينها، تزخر بمفارقاتها وتنضح بلا معقولاتها، بيد أن الأطراف المنهمكة في عبثيتها الكارثية، وكل من موقعه، لا تنفك المجمعة على مواصلة أدوارها المرسومة لها في هذه المسارات، بحيث أصبح البحث عن سبل الاستمرارية في لعبها لهذه الأدوار وكأنما هو بديلها المرتجى عن غايتها المعلنة، حيث المؤكد الوحيد هنا، ليس سوى الهدف الذي بات ينجز على مدار دقات الساعة التهويدية المتسارعة والسائرة بلا موانع أو عوائق، هو عملية التصفية، أو هذه الحركة النشطة التي وظفت ما سبق واستغلت زمنه لصالحها.

    آخر المفارقات، تهديدان صدرا عن كلٍ من طرفيها المباشرين، السلطة الفلسطينية في رام الله وسلطة كيان الاحتلال في القدس المحتلة، والتهديدان يجمعان أيضاً على التلويح بأمر واحد، وهو حل الأولى، بمعنى إلغاء اتفاقية أوسلو التي تعد هذه السلطة الوهمية من مخلفات إفرازاتها البائسة... ما الذي دفع إلى إتحافنا بمثل هذه المفارقة؟!

    من جانبها، يئست جماعة الخيار التسووي الأوسلوي في رام الله، من جدوى حصادها بعد ثمانية عشر عاماً عجافاً أضاعت فيها البوصلة والأرض، وأثبت لها واقعها فشلها في المراهنة على أريحية وسيطها غير المعروف بنزاهته، الولايات المتحدة، وحكمها المشهود له بانحيازه الدائم لعدوها،.. ونستطرد، وخذلان ما تدعى الرباعية لها، وفقدانها لراعيها وداعمها الإقليمي بعد ثورة 25 يوليو المصرية، وتكرار رؤيتها للعين الحمراء من قبل من يدعون بالمانحين، أو الأوروبيين، كلما خطر ببالها التفوه بكلمة لا، ولو خافته، لما يملي عليها... عندما أوصلت نفسه إلى مثل هذا الحال، قررت، بعد إضاعة ثمانية عشر عاماً جرت لصالح التهويد، أن تتوجه للأمم المتحدة.. ما الذي تريده من هذه الأمم المتحدة، التي سبق وأن خصت الفلسطينيين بأكداس من قرارات دفنها غبار الزمن ولم ينفذ واحد منها؟!

    هدفها المنشود والمعلن هو الحصول على الاعتراف الأممي بدولة فلسطينية مفترضة على المحتل من فلسطين بعد العام 1967.. لا بأس، لكن علينا هنا أن نتذكر، أن ما كان من هذه المنظمة الدولية من الدول التي تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية قبل مسيرة أوسلو التصفوية هو أكثر من تلك التي تعترف بـ «إسرائيل». وإن إعلان الدول الفلسطينية، أو ما سمي بإعلان الاستقلال، كان قد اتخذ في مؤتمر قصر الصنوبر في الجزائر في العام 1988. وأنه، على الأرض، قد أصبحت جرافات التهويد الزاحفة تقترب رويداً رويداً من مقر المقاطعة، بعد أن التهمت أغلب بقايا ما لم يهود من الضفة وشددت خناقها على التجمعات الفلسطينية الأشبه بالمعازل والمعتقلات. وأن الدولة المستجداة أمميّاً لن تزد على نص قرار يضاف إلى متراكم القرارات الصادرة عن هذه الهيمنة الدولية التي ألحقت هذه الحقبة بوزارة الخارجية الأميركية.. بمعنى، أن هذا الاعتراف، إن أوفت سلطة رام الله «ناقلة الاستقلال»، وفق توصيفات صائب عريقات كبير مفاوضيها لها، بما تقول إنها قد أزمعت عليه، واعترفت الهيئة الدولية بما تناشدها الاعتراف به، سيكون اعترافاً رمزيّاً، أي ما لن يجدي في إيقاف هدير تلك الجرافات، أو يدفع «الرأي العام الدولي»، أو «المجتمع الدولي»، أو سائر مثل هذه المسميات للغرب عرَّاب النكبة الفلسطينية، وربيب كيان اغتصاب فلسطين وراعيه ومتعهد وجوده، إلى تغيير مواقفه المعروفة من الاحتلال، والتي جعلت من إسرائيله في حكم المعصومة من المساءلة وفوق الملامة ويجوز لها ما لا يجوز لسواها من المعتدين على القوانين والأعراف والمواثيق الدولية والقيم الإنسانية... والآن، عمليّاً، وإذا ما مضت السلطة فيما أزمعت عليه، فما هي سبلها إلى ذلك؟

    إنه إما التوجه إلى مجلس الأمن، حيث الفيتو الأميركي في الانتظار، أو إلى الجمعية العمومية، حيث جل المرتجى منها هو الحصول على عضوية مراقب، أي ما لا يسمن ولا يغني ولا يضيف... وحتى لو تم هنا الإعلان، فلسوف يفرغ من مضمونه ولن يصادف حظاً بعدها في مجلس الأمن الأميركي.. وأخيراً، تقديم مشروع لكل من المجلس والجمعية، يقضي بتحديد أسس مرجعية ما يسمى «عملية السلام» كشرط لاستئناف المفاوضات، بمعنى العودة إلى ذات الدوامة... هذا إذا ما شاء الأميركان مجرد بحث مثل هذا المشروع في هيئتهم الدولية!

    والسؤال هنا هو: هل السلطة جادة فعلاً فيما تهدد به؟ ما مدى صدقية وعيد صائب عريقات برمي «المفاتيح في وجوههم»، والمقصود هنا هم الأميركان، الذين توعدوا من جانبهم باستخدام الفيتو، والمانحين الذين لمحوا إلى احتمال أن يغلو اليد ليجوعوا فيالق مناضلي الأمس المتقاعدين وراء قضبان القفص الأوسلوي؟

    يجيبنا سلفاً أبو مازن رئيس السلطة، عبر تأكيده القاطع بأن «خياره الأول والثاني والثالث هو المفاوضات»، وأن «الأمم المتحدة ومجلس الأمن ليسا بديلاً للمفاوضات»، و«لن نتصادم ولا نريد أن نتصادم مع أميركا، ولكن نريد أن ننسق الموقف معهم»... وإذا كان الأمر هو كذلك، فما الذي نتوقعه سوى ولوج ملهاة تدويل للمسألة، أو متاهة تصفوية جديدة تبتلع فيها تكتيكات التسوويين ما كان يفترض من استراتيجيات نضالية مقاومة؟!

    وبالنسبة لتهديد السلطة بحل نفسها، فالمضحك المبكي أن هذه السلطة تحت الاحتلال هي في حكم المحلولة عمليّاً باعتراف أصحابها أنفسهم، أما بالنسبة للفلسطينيين وقضيتهم وما جرته عليهم وعليها من وبال، فيا ليتها، وهي التي تحولت أداة أمنية في خدمة المحتلين، قد حلت نفسها منذ أول يوم أقاموها فيه، لأنها كانت بامتياز شاهد زور على ضياع وطن، وإن لم تكف يوماً عن المطالبة بدولة، في حين أن الشعب الفلسطيني يناضل لاستعادة أرض يقيم عليها دولة لا دولة فرطت بأرض ولا تجد منها ما قد تقام عليه.

    بقي الشق الثاني من المفارقة... الشق «الإسرائيلي». وفق «هآرتس»، فإن حكومة نتنياهو تدرس مسألة إلغاء اتفاقية أوسلو إذا ما مضت رام الله باتجاه الإعلان الأممي لدولتها المفترضة.. هل هؤلاء أيضاً، بالمقابل، هم جادون في تهديدهم هذا؟!

    يقول عريقات: «تستطيع «إسرائيل» أن تبقي هذا الوضع كما هو عليه ألف عام مقبل»، بمعنى، وحيث هذا هو الأنسب لها، فأنها ليست في وارد سماع التوسلات الأوسلوية، أو عبارات الترجي الأميركية غير الجدية، ولا تزعجها محاولات التمايز النسبي اللفظي المنافق حيال الأمر من قبل الأوروبيين... ونضيف، وما دام هذا حالها، فهل من المعقول أن تقدم كقوة غازية على حل هكذا سلطة بإلغاء اتفاقية أفرزتها وكان إبرامها قد حقق لها كمحتلة كل هذا الذي سبق وأن اشرنا إليه؟!!

    بقي أن نقول، إن الأخطر هو، إنه، إذا ما افترضنا وأن اعتُرف بهذه الدولة الوهمية، والتي خيارها، كما يؤكد أبو مازن، «الأول والثاني والثالث هو التفاوض»، فإن مثل هذا التفاوض سوف يتم في هذه الحالة بين دولة ودولة، الأمر الذي يعني أن تنازلاتها التي هي في حكم المبرم سوف تُشرعن باطل ضياع فلسطين.
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 5:56 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    سفن لكسر مفارقات الزمن العربي الرديء... حصاري، غزة... ومخيمات اللجوء في لبنان!


    لعل مفارقات هذا الزمن العربي الرديء هي من الكثرة بحيث هفوة ارتكاب تعدادها من قبل متعجل مثلي تعد نوعاً من إضاعة الوقت سوف أتجنبها. لكنما لا بد من القول، إن أغلبها هو نتاج مرحلة انحدارات وانكسارات يتسم حكماً بسماتها وأكثره يبدو بلا معقوليتها. لذا، كان من هذه المفارقات من تعدت المؤسف المحبط إلى المشين المؤلم، فالمهين الموجع. ولا بد لنا أيضاً، بل يجدر بنا، أن نستدرك هنا فنقول، إن قليلها، أو ما ندر منها، يمكن وضعه في خانة المدهش المذهل والمنذر المبشر.

    لن نفصل، وسنكتفي بالمرور باثنتين طازجتين من الصنف الغالب الأول: الأولى، والتي سوف نمر بها مرور الكرام، وقد كنا قد تعرضنا لما له علائق بها في مقالات سابقة، تتمثل في استمرار أشكال الحصار العربي المباشر وغير المباشر، السياسية والمعنوية، المادية والإجرائية، المضروب حول غزة. هنا، قد تكفي الإشارة فحسب إلى مسألتين: واحدتهما، ما تمخضت عنه جبال آخر اجتماعات جامعة الدول العربية المتعلقة، وزيارة أمينها العام المتأخرة جداً للقطاع المحاصر، والتي يمكن تصنيفها على أنها ربما تأتي في إطار الرد على التدخل التركي، الذي لم يتورع بأن يشي بتخيل وقوع المحذور، وهو اعتبار قضية فلسطين القضية المركزية للأمة التركية، بعد أن بات لم يعد من المستطاب رسمياً مجرد تذكر كونها كانت القضية المركزية للأمة العربية، وتحوّل الصراع المصيري المحتدم على مدار ما بات يربو على القرن من الصراع العربي الصهيوني إلى النزاع الفلسطيني الإسرائيلي! والأخرى، تختصرها حكاية معبر رفح في آخر تجليات فتحه المقنن المؤقت، أو كيفية هذا الفتح، بمعنى جاري تفسيره وتطبيقه، بهدف امتصاص تداعيات مجزرة سفينة مرمرة، التي هزّ الدم المسفوح فيها صنوف أسوار الحصار وجبهة ضاربيه، الدولية والإقليمية، وجعل من غزة المحاصرة تحاصر محاصريها، وحوّل عملية تسيير سفن “أساطيل الحرية” إلى تقليعة إنسانية وفعل أممي، بدأنا نسمع أنباء التباري في حشدها والإعلان عن موعد إقلاعها وتواريخ احتمالات وصولها تتردد في، ومن، أربع جهات العالم ... هذه التداعيات، التي جعلت الغرب وامتداداته الدولية والإقليمية يهب رسمياً هبَة رجل واحد، وإن اختلفت الأدوار والتعبيرات والمواقع، لنجدة إسرائيله، ولهدف واحد متفق عليه، هو منع إدانتها، ولفلفة مسألة وجوب التحقيق الدولي أو حتى المستقل فيما ارتكبته ومحاولة القفز عليه إن لم تنجح أباطيل تبريره ... والأهم العاجل هو الحؤول دون رفع الحصار أو كسره، باجتراع المخارج الالتفافية على ذلك، حيث بدأنا نسمع عن شتى الطروحات التي تصب جميعاً في ما يمكن وصفه بالحصار المعدَل ... أطعموهم وحاصروهم، وساوموهم، على الغذاء مقابل الخضوع وتسليمهم بدفن إرادة المقاومة لديهم!

    الغرب، كل الغرب، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، لجنة بلير الرباعية، وبعيداً عن التفاصيل، يحور ويدور ولا يبتعد عن المفهوم الإسرائيلي لما بعد المذبحة المتوسطية، والذي نكتفي ونحن نشير إليه إلى ما قاله اسحق هرتزوغ: “حان الوقت لكي نوقف الإغلاق بشكله الحالي، لأنه لا يأتي بأي عائد ذي قيمة لإسرائيل، بل أنه يحدث من الناحية الديبلوماسية مشاكل كبيرة فيما يتعلق بالصورة العامة”، وعليه، أبلغنا بلير التزامنا “السماح بتسيير دخول السلع” لغزة ... ونعمل على “وضع التفاصيل الفنية لصيغة معدلة ستمنع تهريب الذخيرة إلى قطاع غزة”!

    ... تداعيات ما بعد المذبحة، التي ربما أعادت اكتشاف المكتشف بالنسبة لمن لا يزال يدفن رأسه في تراب “المجتمع الدولي”، ويعدو وراء سراب “الشرعية الدولية” الغربيين لحمةً وسداةً، حين يسمع جهابذة الكونجرس، أو عش الصهيونية الأميركي، بشقيه، النواب والشيوخ، يهبون لإدانة مواقف تركيا “المخزية”، ويهددونها بأنها “ستدفع الثمن”، ويلوحون لها مجدداً بإثارة المسألة الأرمنية، ويعيرونها بأنها “لا تستحق” عضوية الاتحاد الأوروبي... وإلى درجة تحميلها مسؤولية الجريمة الإسرائيلية ضد رعاياها واتهامها بأن أيديها هي “الملطخة بالدم” التركي الذي أراقه الإسرائيليون!!!

    باختصار، لقد تصرف هذا الغرب منسجماً مع نفسه، وكان لسان حاله، والمعبّر عنها بدقة ووضوح وصراحة وصدق، رجل من مثل خوسيه ماريا اثنار رئيس وزراء إسبانبا السابق المقترنة سمعته السيئة بالغزو المجرم للعراق، حين قال محذراً وهو يدشن لجنة من لجان “أصدقاء إسرائيل” التي بدأت تتوالد هذه الأيام في الغرب:

    “إن إسرائيل هي خط دفاعنا الأول” وعليه، فإن تركها “لمصيرها الآن سيظهر مدى غرقنا، ومدى صعوبة علاج انهيارنا”. وحين يضيف: إن “إسرائيل هي جزء أساسي من الغرب وما هو عليه بفضل جذوره اليهودية المسيحية، ففي حال تم نزع العنصر اليهودي من تلك الجذور وفقدان إسرائيل، فسنضيع نحن أيضاً، وسيكون مصيرنا متشابكاً وبشكل لا ينفصم”!

    المفارقة العربية الثانية، هي لبنانية هذه المرة، ويعطيها فرادتها وعجائبيتها أنها تأتي من البلد الصغير الجميل، الذي امتزج فيه الدم الفلسطيني واللبناني والعربي دفاعاً عن لبنان وفلسطين والأمة، والذي لاحقاً ضربت مقاومته الباسلة مثلاً حياً أعاد للأمة من محيطها إلى خليجها ثقتها باستعادة حلم انتصارها، وتتمثل هذه المفارقة فيما لاقته المشاريع الذي قدمها إلى مجلس النواب وأجمع على إقرارها ممثلو الغالبية حكماً ومعارضة، وتقضي بمنح اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا إلى لبنان بعيد النكبة، والمحاصرون في مخيماتهم الأسوأ حالاً من المعتقلات، والممنوع عليهم، مثلاً، العمل والتملك والتوريث الخ، أبسط الحقوق الإنسانية والمدنية... مشاريع القوانين المقترحة لم تقرّ لأنه لم يتم التوافق عليها، بعد أن أثارت بطرحها الغرائز وأيقظت الشوفينية وأطلقت العنصرية الكامنة من عقالها لدى فئة لبنانية انعزالية بعينها، فكان أن تحصنت خلف متاريس طائفيتها في مواجهة المطروح كل تلاوينها، حكماً ومعارضة، وهي التي لم تكن لتتفق على أمر سوى رفضها لهذه القوانين، الأمر الذي أعاد إلى أجواء أميرة المدائن بيروت جدل بازار كريه لطالما تعودت على سماعه يدور من حين لآخر حول ذات المسألة وذات الأهداف، إما إعادة تهجير الفلسطينيين وتصفية وجودهم في لبنان، باعتبارهم، وفق المقولة الشهيرة للوزير نيقولا فتوش، “نفايات بشرية”، أو بغية المساومة على هذا الوجود في بازار رياح التسوية الدولية حين تهب، أو لمقايضة الحقوق المدنية مقابل السلاح الفلسطيني، وصولاً إلى معادلة التوطين مقابل تصفية الديون، أو ما طرح أخيراً حول مطلب إعادة التجنيس أحفاد أحفاد اللبنانيين وأنسبائهم الذين هاجروا إلى بلاد الله الواسعة قبل قرون وانقطعت صلتهم بأرض الأجداد وثقافتها وهويتها ... ربما من هؤلاء، على سبيل المثال، المبعوث الأميركي التسووي جورج ميتشل، وجنرال الغزو الأميركي للعراق جون أبو زيد!

    الجدل اللبناني الذي أفشل إقرار هذه القوانين أو تأجيله، خلاصته ما قاله النائب سامي الجميل، الذي يصفه اللبنانيون بـ“الشيخ الكتائبي الصغير” وما ردده سواه، من أنه “مع إعطاء الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية ولكن ضد حصولهم على حقوقهم المدنية”... هل هذا القول بحاجة إلى التعليق؟!

    الرد على خطوط سامي الجميل الحمر، جاء من رئيس الوزراء اللبناني نفسه سعد الدين الحريري، الذي قال، إنه “في لبنان ثمة من يخرج في رحلات لفك الحصار عن الفلسطينيين، ولكن قد يأتي يوم نرى فيه العالم يتوجه إلى لبنان لفك الحصار عن الفلسطينيين المقيمين فيه”... هنا تكمن المفارقة... لكنما يجدر الإشارة إلى هاتين الملاحظتين: الأولى أن للمحاصرين من قبل أعدائهم في غزة كرامة الصامد الرافض للانكسار وشموخ المتحدي المقاوم رغم كارثية المعاناة، أما أولئك المحاصرون منذ أكثر من ستة عقود في مخيمات اللجوء القسري في لبنان، فقد نزعت ظروفهم التي فرض عليهم حصار الأشقاء عن معاناتهم، والتي لا تختلف عن معاناة أهلهم في غزة، حتى الكرامة..!

    والثانية: أن إذلال الفلسطيني في هذه المخيمات بغية تشريده وتهجيره وتصفية وجوده، بذريعة تخلط عمداً ما بين التجنيس والتوطين، وهما كلاهما مرفوضان فلسطينياً، هو أقصر السبل إلى هذا المرفوض ويعيق نضاله من أجل العودة إلى فلسطين التي لا يرضى عنها بديلاً.

    والآن، وماذا عن قليل تلك المفارقات العربية، أو نادرها، الذي قلنا إنه مما يقع في خانة المدهش والمذهل؟!

    إنه باختصار، ما ينبجس من رحم مثل هذا الواقع العربي الرديء المنحدر والخارج عليه، والمتمثل فيما نشهد من هذا الذي قلنا إنه المنذر المبشر بعصف ريح إرادة المواجهة واندياح روحها التي تجسدت في أسطورية الصمود الغزي وقبله بسالة المقاومة اللبنانية وانتعاش جبهة الممانعة وإرهاصات المقبل القائل، انتبهوا، هذه الأمة لم تقل كلمتها بعد..!
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 5:58 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



    عصا غانتس و«المقاومة الالكترونية»!


    لا أحد يكثر من الحديث عن «السلام» مثل «الإسرائيليين». وحديثهم الدائم عنه لا يلهيهم لحظةً عن مسألتين مركزيتين في سياساتهم لازمتا طبيعة كيانهم الغازي الغاصب لفلسطين العربية منذ افتعاله وإقامته على أنقاض الوطن الفلسطيني ونجمتا عنها، وكان كلامهم هذا عن «السلام» من لزومهما وفي خدمتهما. نعني بهاتين القضيتين، استراتيجية التهويد الدائب، وعمليته المستمرة منذ البدء وفق الظروف والحقب التي مرت بها، وجرى ويجري بالسبل المختلفة التي توافرت له وتم أو يتم بها، بالتوازي مع الاستعداد الدائم للحرب وكأنما هي على وشك الاندلاع بين لحظةٍ أو أخرى. ولأن وجود «إسرائيل»، ككيان استعماري، وباعتبارها ثكنة متقدمة للمركز الغربي الاستعماري لها، دورها ووظيفتها في سياق مشاريع هيمنته في المنطقة، فهي أصلاً وبالضرورة كيان نقيض لمفهوم السلام، والسلام عندها، أو كما تفهمه، لا يعني سوى استسلام العرب، أو إنجاز كامل استهدافات استراتيجيتها الصهيونية الثابتة منذ أن وضعت والتي لا تتبدل، والحديث «الإسرائيلي» المفرط عن السلام لا يلقى جزافاً وإنما له وظيفته، حيث يأتي في سياق التعمية والتمويه وكسباً للوقت لإنجاز التهويد الكامل لكامل فلسطين ومعها ما أضيف لها من الأراضي العربية المحتلة.

    أما الاستعداد للحرب، وفي المقدمة منه سياسة التطوير والتحديث الدائب للآلة العسكرية «الإسرائيلية» ورفدها أولاً بأول ولحظة بلحظة بآخر ما توصلت إليه عبقرية القتل الغربية من ابتكارات الموت، فلأن «الإسرائيليين» ومن يرعاهم في الغرب يدركون استحالة السلام من دون إعادة الحقوق المسلوبة لأهلها، الأمر الذي ليس في واردهم، بل إن مجرد التسليم بهذه الحقوق ناهيك عن إعادتها أمر يتنافى مع طبيعة «إسرائيل» واستهدافات من افتعلوها وأقاموها وفرضوها ويتعهدون بحمايتها ومدها الدائم بأسباب البقاء.

    انطلاقاً مما تقدم، وباستذكاره، يمكن فهم الدعوات «الإسرائيلية» الراهنة للتفاوض المقترنة مع توارد آخر أنباء العملية التهويدية، التي من بينها الإعلان عن حي تهويدي مزمع بناؤه جنوبي القدس المحتلة، والتي به سوف يتم تطويقها نهائياً، إلى جانب استمرارية العبث بأحشائها بهدف إتمام تهويدها ديموجرافياً بتفريغها من أهلها، وكذا الإعلان عن نية «تشريع» المستعمرات التي تدعى بـ «العشوائية»، وكأنما هناك ما هو مشروع في عملية الاحتلال والتهويد بأسرها!

    هذا يقودنا إلى ما سمعناه من الجنرال بيني غانتس بمناسبة تغيير جرى مؤخراً فيما تدعى «شعبة الحرب الإلكترونية» التابعة لجيش الاحتلال... قال الجنرال : إن «هذه الشعبة كيفت جهودها مع التحديات الراهنة عبر الفهم بأننا في المواجهة المقبلة سوف نضطر للحرب ببعد آخر هو البعد الالكتروني. وهذه الشعبة هي من يرسم طريق الجيش «الإسرائيلي» في الدهاليز المركبة لثورات الاتصالات التي تحدث من حولنا».

    حديث الجنرال غانتس جاء في سياق التغطية التي عكست فيها الصحافة «الإسرائيلية» ما سرّب لها حول ما دعي بمنظومة «عصا الساحر» الصاروخية المضادة للصواريخ، التي يقال أنها الأكثر تطوراً من سالفتها الشهيرة المسماة بـ «القبة الحديدية»، والمفترض إنها ستكون السابقة لأخرى ثالثة على الطريق ستكون الأكثر تطوراً وفق المعلن يجري الآن العمل عليها، وهي منظومة «حيتس» الموصوفة بالمضادة للصواريخ حاملة الرؤوس النووية. والكلام «الإسرائيلي» برمته يعكس قلقاً وتحسباً حقيقيين، ليس اتجاه حروب المستقبل فحسب، وإنما راهن ما يعتبرونه كماشة صواريخ المقاومتين، اللبنانية شمالاً والفلسطينية من غزة جنوباً، وتهديدها لما يدعونها منطقة «غوش دان»، أو الساحل الفلسطيني المحتل، الذي يتكثف فيه الوجود الديموجوغرافي «الإسرائيلي» الرئيس من حول مركزه في «تل أبيب»، لا سيما بعد التحذيرات الأخيرة التي سمعوها وأخذوها في الحسبان عندما جاءتهم جليةً من قبل قيادة المقاومة اللبنانية، ولاعتقاد «الإسرائيليين»، الذين لم ينسوا بعد دروس حربهم العدوانية الأخيرة على لبنان، أن صواريخ المقاومتين ستطال أول ما ستطال هذه المنطقة التي يصفونها بـ «البطن اللينة» في أية حرب مقبلة.

    إذن «الإسرائيليون» يستعدون لمقاومة عربية الكترونية يرونها قادمة حتماً، ويتحرزون لها في سياق استعداداتهم الدائمة للحرب الدائمة، ويتحسبون أيما تحسب لما دعاه الجنرال غانتس «ثورات الاتصالات التي تحدث من حولنا». وهذا أمر يمكن القول إنه ليس بمعزلٍ عن تشكيل حماتهم الغربيين لتحالفٍ يكمل ما بدأه «النيتو» في ليبيا، من أولى مهامه المعلنة نبش الصحراء الليبية في سياق عملية ملاحقة كانوا قد بدأوها بالفعل للصواريخ الليبية المضادة للطائرات، التي يزعم «الإسرائيليون» أنها سوف تجد طريقها إلى غزة.

    مشكلة «الإسرائيليين» أن قبتهم الحديدية، التي كانوا قد أحاطوها بكل تلك البروباجندا التي رافقتها فكرة وتطبيقاً، قد فشلت في مواجهة الصواريخ البدائية التي تمكن المقاومين الفلسطينيين من تصنيعها في ظل الحصار الإبادي المطبق والمحكم على قطاع غزة، وأن كل صاروخ من صواريخ عصا ساحرهم الجديدة سوف يكلفهم فقط مبلغ مليون دولار، كما ليس هناك ما يضمن تفوقه على سابقيه من صواريخ قبتهم السالفة تلك المتواضعة النتائج، أما فعالية منظومة حيتسهم المرتجاة فمازالت شأناً أمره في علم الغيب...


    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 5:59 am

    عندما يتعقل الصهاينة!



    كلهم صهاينة حتى العظم، ويتقدمهم كبار الصهاينة الأوروبيين المعروفين في طول القارة وعرضها، ومنهم من شهرته جالت في العالم، وكل ما يخشونه هو اتهامهم بما ينتقص من صهيونيتهم، فكان أن ألحوا عليها وأصروا في تأكيدها بدايةً ونهايةً في متن ندائهم. بيّنوا بما لا يترك لبساً أن منطلقهم إذ يطلقونه هو الحرص على إسرائيلهم، ودافعهم هو تثبيت وجودها، وكان ترجمة لهاجسهم ومبعث قلقهم، الذي هو أولاً وأخيراً خشيتهم على مصيرها. وعليه اختاروا، في رمزية مقصودة، مقرّ البرلمان الأوروبي في بروكسل لإطلاق دعوتهم هذه للإسرائيليين للتعقل. أو ما أطلقوا عليه “نداء العقل”، ولم ينسوا أن يوضحوا لهم أن هدفهم من هذا النداء هو “اسماع صوت يهودي متضامن مع دولة إسرائيل، ومنتقد لها فيما يتعلق بالخيارات الحالية لحكومتها”، أو إشعارها ببعض الاتجاه نحو الكف عن إبداء التأييد التلقائي المعتاد لكل فعائلها وسياساتها... لماذا؟

    لأن هؤلاء العقلاء الصهاينة، أو الأذكياء، يرون ما لا يراه، أو لا يريد أن يراه، مجانين إسرائيل، أو أغبيائها... يرون أن المشروع الصهيوني بلغ حدود قدرته التوسعية القصوى، وأخذ يصطدم بحقيقة عجزه عن تحقيق هدفه الاستراتيجي والمصيري، وهو تغييب نقيضه الفلسطيني، أو الذي أقام إسرائيله على أنقاض فلسطينه، وفشله في نفي وجوده. أنه ذات الأمر الذي تجيء “جي كول” الأوروبية بعد “جي ستريت” الأمريكية منذرةً ومحذرةً مما سيؤول إليه مصيره... يرون ما يراه العالم من أن المشروع الإمبراطوري الأمريكي في المنطقة والعالم يتراجع ولم تعد المسألة في حاجة إلى براهين... يحسون أكثر من أي وقت مضى أن أوروبا الشعبية تشهد تململاً متصاعداً يعبر عن ضيقها من ابتزاز طال أمده، وعدم احتمالها لتكفير عن ما كانت قد اقترفته فاق حدّه، وانزعاجها من ارتكاب ضحاياها اليوم بمساعدة منها في حق ضحاياهم ما هو أسوأ مما هي ارتكبته بحقهم بالأمس... ولأن المتعقلين هؤلاء هم في أوروبا فهم يدركون من موقعهم خطورة نبض الشارع الأوروبي أكثر من أولئك المجانين الذين ينادونهم... ويرون أنهم يفهمون أكثر منهم تسارع عجلة المتحول الكوني... ويحاولون أكثر منهم تلمس توجهات أقدار التاريخ و خواتيم استحقاقات الجغرافيا، ولا يفوتهم أن سابق الحال استمراره مستقبلاً هو ضرب من المحال... العقلاء يرون أن أي شيء يدعى “سلام” الآن، أو ما يمكن فرضه، أو تمريره في ظل موازين القوى الكونية والإقليمية القائمة وواقع الحال في فلسطين المحتلة، هو يصب لصالح إسرائيلهم، وأي استمرار للصراع في ضوء متحولات المستقبل وحقائق التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا إنما هو في غير صالحها ويعني نهايتها. لذا تعقلوا، ولهذا سارعوا ينذرون ويحذرون مجانينهم من مغبة شططهم وتعنتهم، أو تفويتهم الفرصة لفرض سلامهم ... والآن، نظرة إلى ما جاء في ندائهم، من شأنها أن ترينا الفرق بين عقلاء الصهاينة ومجانينهم:

    أول ما همهم قوله كان: أن “ارتباطنا بدولة إسرائيل هو جزء من هويتنا”... بمعنى صهاينة نحن وإن كنا أوروبيين، أو صهاينة أولاً، وزيادة في التأكيد على هذا يضيفون: “نحن ملتزمون بمستقبل دولة إسرائيل التي نلتزم بها إلتزاماً لا يتزعزع”، والتي نرى أنها تواجه “تهديدات وجودية”... ممن، وما كنهها؟!

    “من أعدائها الخارجيين، لكننا نعرف أن الخطر يكمن أيضاً في الاحتلال ومواصلة الاستيطان”، ولأن المبالغة في التعنت فيما يتعلق بالسياسات التي تنتهجها إسرائيل الآن احتلالياً واستيطانياً وتصرّ على مواصلتها وفرضها “هي خطأ سياسي وأخلاقي”... لماذا؟!

    قبل الإجابة، لا يفوتنا ملاحظة عدم الإشارة من قريب أو بعيد للفلسطيني كضحية لمجزرة مستمرة يديرونها، عقلاء ومجانين ومن ورائهم، منذ قرابة القرن، ولا للجريمة الصهيونية المجسدة في فلسطين منذ 62 عاماً المسماة إسرائيلهم، لذا يأتي الآن تعبير “خطأ أخلاقي” ليخصّ فحسب آخر مراحل سياسات تهويد فلسطين وابتلاع ماتبقى منها، في القدس والضفة، وشراسة تطبيق السياسات الاحتلالية الراهنة، وفجاجة الاشتراطات الإسرائيلية المتعلقة بآخر تجليات المفاوضات التي تصب في صالحهم هي أقرب إلى النكتة.

    أما لماذا هو عندهم “خطأ سياسي وأخلاقي”، لأنهم يرون أن هكذا سياسات إسرائيلية “تغذي العملية غير المقبولة التي تواجهها إسرائيل في الخارج وتؤدي إلى نزع الشرعية عنها”... وهل من شرعية لكيان استعماري إحلالي غاصب؟!

    أصحاب النداء العقلاء يهمهم تخليص إسرائيل المجنونة من أزمتها المتمثلة في أنها ستواجه قريباً “خيارين كارثيين بالدرجة عينها: إما تصبح دولة حيث يكون اليهود أقلية في بلدهم، وإما تنشئ نظاماً يكون وصمة عار لها ويتسبب بتململ اجتماعي”...

    هذا كل ما همهم واقلقهم، وهنا لا فرق بينهم وبين المجانين، أو من هم من أمثال نتنياهو وليبرمان وعباديا يوسف، عندما يقولون “في بلدهم” التي لا تختلف عن القول “أرض إسرائيل”، وعندما يقولون “تململاً اجتماعياً” حتى لا يقولوا مقاومة وطنية فلسطينية... وحيث يؤكدون “أن هدفنا هو بقاء إسرائيل كدولة يهودية”، وإذ لا يفوتهم إيضاح أن “الدعم الكامل لسياسة الحكومة الإسرائيلية محفوف بالمخاطر، ولا يخدم المصالح الحقيقية لدولة إسرائيل”، يوجهون ندائهم إلى حماة ورعاة ومتكفلي إسرائيل قائلين: “لذلك من الضروري أن يمارس الاتحاد الأوروبي إلى جانب الولايات المتحدة ضغطاً على الطرفين ويساعدهم على التوصل إلى حل منطقي وسريع للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني”!

    هنا هم يلقون ضوءاً على استهدافات مهمة المبعوث الأمريكي جورج ميتشل... لكن يفوتهم بدورهم ما فات سائر أطراف بازار التسوية المراد فرضها، وهو أن مسار التفاوض غير المباشر أو عبره الموصل إلى المباشر بين الاحتلال وسلطة رام الله بمباركة عربية رسمية سوف لن يفضي في ظل الراهن الإسرائيلي والعربي والفلسطيني إلا إلى الخيارين الكارثيين إياهما اللذين حذر هؤلاء العقلاء مجانينهم منهما، واللذين سوف يواجههما الفريقين المتفاوضين معاً بعد أن تحول الصراع العربي الصهيوني إلى النزاع الإسرائيلي الفلسطيني... لذا المجانين لديهم حلاً بدأوا في إخراجه من أدراج الاستراتيجية الصهيونية بدأت ارهاصات محاولات تطبيقه في الضفة منذ أيام، إنه الترانسفير!!!

    ... والآن ماذا كان رد المجانين الصهاينة على نداء العقلاء الصهاينة؟

    نائب الكنيست أرييه الداد كان لسان حالهم عندما قال: أنه “لا ينبغي لإسرائيل أن تتعلم من يساريين في الداخل وشيوعيين في الخارج كيف تشق طريقها في عالم الذئاب”... آخرون اتهموا العقلاء الذين على رأسهم أبرز المفكرين الصهاينة بأنهم معادون للسامية!!!

    ... فماذا يقول العرب؟

    هنا بدا وكأنما مقولة الصهيونية صهيونيتان، هذه التي كانت قد قادت فلسطينيي التسوية ومعهم القضية والنضال الوطني إلى ما هم فيه وما هي فيه اليوم من أزمة، تطل اليوم علينا مجدداً عبر التقاط البعض في الساحتين الفلسطينية والعربية للنداء، أو “جي كول” الأوروبي، وتضخيم اصدائه أو المتوقع لديهم منه، تماماً كما فعلوا عند سماعهم بأخيه وسابقه “جي ستريت” الأمريكي... لم يسأل أحد منهم نفسه هذا السؤال: ترى من هم الأخطر، مجانين الصهاينة أم عقلاؤهم؟

    ...أولسنا اليوم في أمس الحاجة إلى “نداء عقل” عربي... موجَّه، إذا ما شئنا تخفيفاً للتوصيف، إلى مجانين “الاعتدال” العربي؟!
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 6:00 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    عندما يفكر «الإسرائيليون» بصوت عال !


    «للإسرائيليين» قدرة لافتة في ضروب المناورة والمداورة، ولهم ريادتهم في تقسيم الأدوار وتوزيعها سلطة ومعارضة، يميناً ويساراً، وإجادة تليدة في حبك الأضاليل وتسويقها، واستخدام التسريبات الهادفة وتوظيفها. وهم إذ يستندون في هذا الى مواريث تلفيقية تليدة لديهم أمعنت، كما هو معروف، في سطوها على التاريخ وتأسست أصلاً على التمادي في تزويره وتشويهه، يختلفون تقريباً على كل شيء، ماعدا مرتكزات الاستراتيجية الصهيونية الاستعمارية، التي أعطت كيانهم الغازي الغاصب لفلسطين طبيعته العدوانية التوسعية المعهودة، والمتحكمة بلا منازع في مجمل رؤيتهم لطبيعة الصراع العربي الصهيوني في بلادنا. وعليه، لا بأس لديهم من أن يكون كل ما تقدم في خدمة تلك الاستراتيجية، أو محل تفاهم ضمني بين مختلف أطراف مستواهم السياسي، هذا إذا ما تجاوزنا قشور جاري المناكفات والمزايدات والمماحكات، التي هي عادةً من سمات العمل السياسي لديهم وملازمة له، ودائماً بما لا يمس حدود تلك الاستراتيجية ولا يخرج من تحت عباءتها.

    لكنما كثيراً ما يفكر «الإسرائيليون» بصوت عالٍ فيكشفون بعض ما لديهم، أو يقولون شيئاً ما من الحقيقة، فيما قد يبدو لأول وهلة وكأنما هو تغريد خارج السرب، أو نقيضٌ للرسمي المتبع. مرد ذلك اطمئنانهم الناجم عن عدة عوامل تجعلهم في حل من كتمان ما لا يخشون ردود فعل تضيرهم على المجاهرة به. من هذا، مثلاً، اطمئنانهم إلى أن المستوى العربي الرسمي لا يسمعهم عادةً، أو هو عوّدهم بأنه لا يريد سماع ما يجاهرون به، وحتى إن هو سمع فلا يأبه بالضرورة بما سمعه. أما الشارع العربي فشغلوه وأغرقوه ببلايا القُطْرية المستفحلة وضيعوه في لجة من محاولات ترتيب أولوياته الملحة والضاغطة على أنفاسه. أما العالم، كل العالم، ففي غير وارد التوقف أمام ما يقولونه وما يفعلونه وديدنه إشاحة الأبصار عنه، لأن الغرب، وهو الحامي والضامن لهم منذ أن قرر فأنشأهم، قد كفاهم شر المساءلة والمحاسبة والمؤاخذة، بل وخلع عليهم العصمة جاعلاً منهم الما فوق القوانين والأعراف والمواثيق التي أقرتها البشرية أو توافقت عليها، كما حرص كل الحرص على تزويدهم بأسباب من القوة العسكرية الفائضة بكافة تجلياتها التكنولوجية الأحدث وقمة ما توصل إليه تطورها المدمر، الأمر الذي جعلهم المسكونين بالغطرسة والصلف واللامبالاة وحداهم للاستهانة بغيرهم وعدم أخذ ما عداهم في الاعتبار.

    في الآونة الأخيرة، ثلاث مسائل شغلت «الإسرائيليين» وغدت مداراً لجدلهم الدائم، بالإضافة الى كونها كانت مادة خصبة للدعاية الرسمية التي يسيّر جوقاتها الماسترو نتنياهو وحكومته، تبدأ بالمخاض الذي تعيشه التحولات العربية التغييرية الجارية، وتحديداً معاركها السياسية الدائرة التي لم تحسم بعد في مصر ما بعد ثورة 25 يناير، مروراً بصخب ما يدعى بالعثمانية الأردوغانية في حالة التجاذب «الإسرائيلية» التركية الجارية، وما تنذرهم به من أخطار مزعومة يقولون إنها قد تستهدفهم مستقبلاً من قبل حليف سابق غدا يصدح بلغة لا تسرهم أو لا تتفق مع ما اعتادوه منه، رغم أنهم قبل غيرهم يدركون أن منصات الدرع الصاروخية المضادة للصواريخ التي نصبت مؤخراً في تركيا من أولى مهامها حمايتهم. ثم فزاعة الخطر الإيراني النووي التي لا ينفكون ولولة من أخطارها، والتي يشاركهم في نفخها وتضخيمها والتذرع بها الأميركان وكل غربهم وحلفائهم الإقليميين في سياق مواجهة ما يقلقهم من التنامي البائن للقوة الإيرانية الناعمة في المنطقة ومحاولة محاصرتها.

    مؤخراً، لم يجد «الإسرائيليون» غضاضة من أن يفكروا بصوت عال فيما خصّ هذه المسائل الثلاث، قائلين بعكس كل هذا وبالنقيض له تماماً. هذه المرة فكّر نيابة عنهم ونطق لهم واحد بوزن رجل مثل مائير داغان رئيس «الموساد» السابق الشهير، كان هذا في محاضرة له أمام مجلس السلام والأمن «الإسرائيلي» في جامعة «تل أبيب». داغان ابن المؤسسة الأمنية الحاكمة الفعلية للكيان والمخرجة لحكامه منذ أن تم اختلاقه، طمأن «الإسرائيليين» من حيث المبدأ من أنه ليس من خطر ماثل لحرب قد تتهددهم راهناً، ليعرج فيما بعد على المسائل مثار انشغالهم ... فماذا قال؟

    قال إنه «من حيث المخاطر العسكرية نحن في المستوى الأدنى». أما فيما يتعلق بالمخاض المصري المحتدم، وتصاعد حدة التجاذب المتصاعد بين الثوار والأوصياء على الثورة، فيرى داغان أن «الحكم في مصر لم يتغير، فقط الحاكم» هو الذي تغير. وأن مقولة العثمانية الجديدة الرائجة لدى «الإسرائيليين» ما هي إلا فزّاعة، يقول إن «على «إسرائيل» أن تضعها في حجمها»، والذي لا يتعدى عنده كون حملات أردوغان المدوية ضد «إسرائيل» لا هدف لها إلا أن «تعطيه زخماً شعبياً يساعده على تغيير دستور بلاده»! وعليه، يقول : إنني «من ناحية سياسية، أعطى أردوغان علامة تقدير 100. فهو سياسي ذكي، ونحن نقع في الفخ الذي يعده لنا». أما بخصوص مقولة الخطر النووي الإيراني، فيجزم رجل «الموساد» الأول السابق والعارف اكثر من سواه بأن «إيران بعيدة عن امتلاك القنبلة النووية».
    ...لسنا هنا بصدد مناقشة ما ذهب مائير داغان المحاضر إليه، لكن علينا القول، إنه لم يخالف فيه هذا الذي كنا قد قلنا بدايةً إن «الإسرائيليين» قد امتازوا به، قدرة وريادة وإجادة واستخداماً، وإنما لم ير داغان ما يدعوه لعدم التفكير بصوت عال، ولو بما لا يتفق مع بروبوغاندا نتنياهو التي لن تتوقف ... صحيفة «معاريف» كانت قد سبقت بأيام ففعلت مثله، عندما كشفت عن قلق «إسرائيلي» جدي وعميق تجاه مشاريع تنمية سيناء المصرية، الأمر الذي يعني بالضرورة انتقال كتلة بشرية مصرية مضافة إليها مستقبلاً من شأنها أن تعزز من الكثافة الديموغرافية التي تعوزها الآن وانعكاس هذا على مستقبل الصراع العربي الصهيوني ... هذا الصراع على التاريخ والجغرافيا والهوية والوجود ، والذي يؤمن «الإسرائيليون» أكثر من العرب بأن لانهاية له إلا بحسمه نهائياً لصالح أحد طرفيه.
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 6:01 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    عودة إلى «التحريك»... وأخى إلى «التكاذب»!

    يريد الغرب، في سياق مواجهته للتحولات العربية، حراكاً ما على صعيد ما يطلق عليه «العملية السلمية» لتصفية القضية الفلسطينية. حراكاً، ولا بأس إن كان جعجعة بلا طحن. المهم هو العودة لطحن كلام من نوع أحبولة حل الدولتين. وما يسرّع في هذا المراد هو الاستعداد لموعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو المكان الوحيد الذي من الممكن أن يطرح فيه العرب مسألة إعلان الدولة من طرف واحد، أو ما يجري التلويح به في رام الله.

    نحن هنا لن نناقش مدى قيمة هذا الإعلان، إن كتب له ذلك في ظل موازين القوى القائم على الأرض إقليمياً ودولياً، لا سيما وأن قرارات الجمعية العامة هي غير ملزمة، وسبق وأن اتخذت منها قرارات وقرارات بشأن القضية ظلت حبيسة نصوصها، كما أن الاستقلال أو إعلانه فلسطينياً قد سبق وأن أعلن في مؤتمر قصر الصنبور الجزائري قبل عقدين ونيف، فمن عاد يتذكره؟

    الحراك المنشود بدت اسطوانته تدور كاشفة بسهولة عن أشكاله ومضامينه وحدوده. هنا لا جديد، المهم هو الإيهام بالحراك وليترك الباقي لنتنياهو... قيل أن هناك خطة أوروبية «لتحريك العملية السياسية» طرحت في إطار مضافة رباعية بلير سارعت الولايات المتحدة إلى إفشالها. وبعد إيقاف الأوروبيين عند حدهم، تعهدت هيلاري كلنتون بتحريكها!

    ولكي تظل حكاية التحريك شاغلاً لمن يأملون تحريكاً، تم الإعلان عن نية أوباما عرض ما دعى بمبادئه لتحريكها. «الإسرائيليون» تحركوا ربما للإيهام بجدية التحريك الأميركي. سارع نتنياهو لإبلاغ مركز حزب «الليكود» بأنه تلقى دعوة لإلقاء خطاب في عش الصهاينة الأميركي الكونغرس، وأنه سوف يعلن هناك بأن لا تنازلات، و«أن «إسرائيل» ستصمد ولن تخضع للإملاءات». وبغض النظر عن انتفاء وجود من يملي عليه، ولا ما يجبره على تنازل، أو على أن يتخلى عن ما يحتله ويهوّده، فالمفارقة هي في أن مثل هكذا كلام كان المفترض سماعه من العرب وليس من نتنياهو!
    بالمقابل ما الذي يجري على صعيد الساحة الفلسطينية. هناك حاله هي أقرب إلى العبثية أو بعض من فصول مسرح اللامعقول تتجاذب أدواره أطراف الساحة وكل له فيه نصيب. شعبياً تعالت الأصوات مستعيرة واحداً من شعارات الحالة الانتفاضية الثورية العربية مع تحويرة، «الشعب يريد إنهاء الانقسام». بالمقابل سارع طرفا السلطة في رام الله وغزة إلى العودة لطحن ذات الكلام عن ضرورة مصالحة طرفيها أو تحقيق الوحدة الوطنية، أو إنهاء هذا «الانقسام». وبغض النظر عن كون أن المشترك الوحيد بين الطرفين هو رفع شعار ضرورة «إنهاء الانقسام»، أو، وإذا ما بحثنا فيما وراء سطور المطحون من القول، واقتربنا من النوايا، فنحن لا نجد أكثر من ما كان، أو الذي لا يبدو أنه سيكون سواه :

    طرف، إلى جانب شعوره باليتم الإقليمي جراء التحوّلات العربية، تقطعت به سبل تسوية قد ذهب بعيداً في متاهاتها ولا يملك عودة عن ما أوغل فيه من تنازلات، وهو يعلم علم اليقين أن شركائه في «العملية السلمية» ورعاتها لن يسمحوا له بالانفكاك منها، وعليه، لا بأس من اللعب في الوقت الضائع، وأقله أنه يجد في ذلك سبباً من أسباب الاستمرارية.

    أما الطرف الآخر فيقارب المسـألة من باب ممارسة التقية، حيث لا يريد بأن يصوّر وكأنما هو لا يريد إنهاءً لـ «حالة الانقسام» هذه، ولأنه يعلم أن إنهائها أو قيام «حكومة الوحدة الوطنية»، أو ما جرى ذكره خلال الفترة الأخيرة، لن يكون مسموحاً به إلا على أساس برنامج أوسلو، بمعنى التحاقه المستحيل ببرنامج الطرف الآخر... وربما هو يراوح مكانه انتظاراً لما تسفر عنه حالة التحولات العربية، لاسيما المصرية التي لم تصل بعد للحظة فتح معبر رفح، والتي تنشغل الآن بأولوياتها الوطنية ولم تتعداها بعد إلى القومية، أو المأمول منها والذي لا يجب ظلمها بمطالبتها إسراعاً في تحقيقه...

    للأسف، نحن في الساحة الفلسطينية وبدلاً من الارتفاع إلى مستوى هذه الحالة العربية الثورية وما تشهده الأمة من تحوّل، نشهد، ومن أسف، عودة إلى خطاب تكاذب اعتادته هذه الساحة خلال حقبة ما يدعى «الانقسام» بين طرفي سلطة أوسلو. هناك لغو مستطاب حول الحوار الوطني، والوحدة الوطنية، أو «إنهاء الانقسام»، لا يلبث أن تتبعه حفلات هجاء متبادلة، وهكذا... نحن إزاء كلام حق يحول دون مصداقيته واقع موضوعي... لماذا توصيف هذا بالتكاذب؟

    لأنه لا من حوار وطني حقيقي ولا من وحدة وطنية منشودة، أو «إنهاء للانقسام» في حكم الممكن، إلا على أساس برنامج حد أدنى وطني متفق عليه من جميع الفلسطينيين أرضاً وشتاتاً، يرتكز إلى المسلمات وينطلق من الثوابت الوطنية الفلسطينية، ويستند إلى نهج المقاومة، أو ورفض الإملاءات والعودة عن التنازلات وحتى ليس الكف عنها... أو هذا، الذي توحّد عليه الشعب الفلسطيني وهجره فلسطينيو التسوية وتركوه إلى نتنياهو يصدح به في عش صهاينة الكونغرس... ليس من حالة انقسام في الساحة الفلسطينية، وإنما هي حالة فرز موضوعية بين تيارين نقيضين، مساوم ومقاوم.
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 6:03 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    عودة الى مالا بد لنا من قوله


    في مقال سابق قلت إن مشكلة المشاكل في نضالات الشعب الفلسطيني وعلى مدى ناف على القرن كانت تكمن في قياداته. وردني لاحقاً أن ما كان مني قد أثار استياءً لدى البعض واستحساناً لدى آخرين كأنما هم غير معنيين به أو هو لا يشملهم. قلت في حينه إن التاريخ ربما لم يعرف شعباً قد ضحى ويضحي وسيظل يضحي بكل ما لديه من غالٍ ورخيص من أجل قضيته العادلة مثلما كان ديدن هذا الشعب العنيد المناضل على مدار ما زاد على القرن من عقود الصراع العربي الصهيوني.

    لكنما قياداته، ومن أسف، لم ترتق يوماً إلى مستوى أسطورية نضاله... ومن ثم كان لابد لي من انتقال إلى الكل، فقلت إن الأمة، وعنيت الشعب العربي مستثنياً غالب أنظمته، رغم قسوة وفداحة تغييبها القسري المديد، لم تبخل على مدار الصراع ولا هي ستبخل ببذل كل ما سمحت وستسمح لها به أحوالها دعماً ومعاضدةً لنضال شعبها الفلسطيني. وقفت من ورائه وامتزجت دماء أبناء أقطارها البعيدة والقريبة بالدم الفلسطيني على تراب هذا الجزء السليب منها، لإدراكها بحسها العفوي أن فلسطينها كانت وستظل قضيتها المركزية واستعادتها عبر تحريرها هو وحده بوصلة مستقبلها. بيد أن مشكلة الأمة بدورها كانت في أنظمتها القطرية التي فشلت في غالبها فشلاً مشهوداً في كل يبرر وجودها... الانفكاك من التبعية. صون الكرامة الوطنية. الحفاظ على السيادة الوطنية. تحقيق حلم الوحدة. بسط الديمقراطية. العدالة الاجتماعية. توفير الرغيف لجوعى تتوالى الزيادات المطردة في طول طوابيرهم... وصولاً إلى إضاعة فلسطين الأمة، بل حتى تفشي عدم المناعة من هبوطٍ لدرك التواطؤ في استدامة ضياعها.

    وقد ينسحب ما تقدم على النخب التي لم ترتفع بدورها إلى مستوى هموم وعذابات وانكسارات الأمة، هذا إذا لم نقل مستوى سمو آمالها وأحلامها ونبل نضالاتها وتضحياتها ومشروعية تطلعاتها. كل هذا في حين أنها تظل الأمة المتفردة بين الأمم بكونها كانت دائما مدرسة شهادة وهي تدفع ضريبة أتواقها للانعتاق وإيبائها للضيم ومقاومتها للغزاة.

    ما قلته ربما قاله سواي من قبلي وسوف يقال من بعدي، بل لا أشك أنه لسان حال الشعب الفلسطيني وبعض ما يعتمل في وجدان بسطاء الأمة، وأحسب أن الراهن يدفعني إلى تكراره، وأن أضيف له، لو كانت الموسوعة المعروفة بـ«جينس» تعنى بنضالات الشعوب وتضحيات الأمم أو تهمها مثل هذه الأمور، وهي ليست كذلك ولن تكون، لكان الشعب العربي الفلسطيني هو ضيفها الدائم المتربع في صدارة المسطر من أرقامها القياسية لجهة تضحياته في سبيل قضيته الوطنية. ولكانت الأمة العربية عبر تاريخها قد حظيت بكونها صاحبة الرقم القياسي فيها من حيث مواجهاتها للمحن وتصديها لتكالب الطامعين ومجالدتها لهم، وكأنما قدرها الأبدي، لتاريخها وجغرافيتها ودورها ورسالتها، قد جبل بالانتصارات والانكسارات والنهوض إثر الكبوات... واقع الحال الفلسطيني والراهن العربي يزكى ما كنت قد ذهبت إليه ويبرهن عليه ويلِّح على وجوب قوله. من ذلك إن آخر قرارات التهويد الجاري للبقايا المتبقية من فلسطين، والذي يتم تحت أنف السلطة الأوسلوية وبصرها وبشهادتها ومرأى ومسمع عرب الأنظمة، وبعد الفروغ من تهويد القدس جغرافياً ومواصلته ديموجرافياً والالتفات إلى النتف التي لم تهوَّد من حولها وعلى أطرافها بعد، كان قرار هدم مطار قلنديا وتحويله إلى مدينة صناعية، والأمر ذاته ينتظر مزق وكانتونات التجمعات البشرية الفلسطينية في بقايا الضفة المقطَّعة، وقد لا يكون ببعيد ذاك اليوم الذي يقرر المحتلون فيه هدم المقاطعة في رام وتحويلها، مثلاً، الى مدينة ملاهي ... رغم ذلك ليس هناك ما يجعلنا نتذكّر أنه على مقربةٍ من قلنديا توجد ما يطلق عليها «سلطة» قد يتردد فيها نفس أوهى تسمع أزيز جرافات التهويد تضيّق الخناق من حولها قاضمةً أطرافها، ذلك بعد أن نسينا أنه في عهد قريب كانت قد ملئت هذه الصامتة الدنيا ضجيجاً حول نيتها الذهاب للأمم المتحدة لانتزاع اعتراف بدولتها، ثم لم يلبث ضجيجها وأن سحب من التداول ليحل محله آخر لاقى ذات المصير ألا وهو الملازم لآخر حلقة في مسلسل كرنفالات المصالحات التي غدت دورية دونما مصالحةٍ وتسفر قعقعتها عادةً بلا طحنٍ.

    أما في الراهن العربي فالقوم مشغولون بربيعهم الذي كان واعداً قبل أن يسارع الخارج فيحوله بعونٍ من أعوانه وامتداداته في الداخل وتسهيل من قبل تهالك مستجدي السلطة خريفاً... مشغولون عما تكابده القدس وما تلاقيه غزة، التي تعيش المذبحة تلو المذبحة والوساطة تلو الوساطة والتهدئة تلو التهدئة وتنام لياليها في إظلام دامس وتصحو في أيامها على مسغبةٍ، وبعضه بفضل من إضافة حصار الأشقاء إلى حصار الأعداء... مشغولون بمتابعة المبارزة الروسية الأميركية آخذين على الروس اختطاف عروبتهم منهم حين يجهدون بدلاً عنهم وعلى الرغم منهم لمنع تكرار ما فعله الغرب بمظلة منهم في ليبيا مرةً أخرى في سوريا!

    إذن ما الذي يحول بين ضمائرنا والبوح المستوجب بما لابد من قوله، سواء أغضب من يغضب أو استحسنه من يستثنى نفسه مما لا يستثنيه، لاسيما والحال الفلسطينية هي الحال، والعربية يحاصر خريفها المبكِّر ربيعها المفاجئ وينبئ راهنها، وفق القول المأثور، بصيف ضيعت اللبن... ما العمل؟؟!!

    مرة أخرى، إن شعباً سجَّل سفراً من البطولات والتضحيات الأسطورية ويصمد في وجه أعتى هجمةٍ استعماريةٍ مدججةٍ بأفتك آلات الموت الغربية المتطورة وأضخمها سيظل القادر على ابتكار جديده النضالي واستنساب أشكاله المناسبة وتجاوز فاشلها، وأمة قدرها مواصلة القيامات وديدنها النهوض بعد الكبوات لن تستسلم لراهنها بعد أن دق في أعماقها ناقوس التغيير... راهنها مخاض لسان حاله يردد قول الكميت: أرى حلل الرماد وميض جمرٍ... وأفضل ما يمكن قوله فيه هو قول مالا بد من قوله!

    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 6:04 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    فاريتي ليس الأول ... وفوكس ليس الأخير!


    يرعى الغرب «إسرائيله» منذ أن اختلقها وانشأها في قلب الوطن العربي. العلاقة بينهما عضوية، علاقة القاعدة المتقدمة بالمركز، وهي أصلاً كانت بالنسبة له وتظل دوراً ووظيفة في خدمة مصالحه في المنطقة واستهدافات مشروعه الاستعماري التاريخي المتجدد في بلادنا وجوارها. هذه حقائق غدت من المسلمات التي من الصعب أن يجادل فيها مجادل. والرعاية هذه بات من المعروف أنها المتعددة الأوجه، تبدأ من الرغيف ولا تنتهي بالصاروخ ، مع توفير مظلة الحماية الدائمة لها، وأيضاً المتعددة الأوجه، والتي أيضاً، تبدأ بالالتزام بأمنها، وضمان وجودها المفتعل، وحتى خلع العصمة عليها بجعلها بمنأى عن المسائلة والمحاسبة مهما ارتكبت من جرائم، أو إعفائها من طائلة خرقها لكل ما اصطلحت البشرية على تسمية بالمبادئ والأعراف والمواثيق والقوانين الدولية، وإبقائها في حل مما توافقت عليه الإنسانية كشرعة كونية تلزمها. هذه كلها أمور باتت الأقرب إلى الثوابت في السياسة الدولية التي يكاد الغرب وحده يديرها في هذه الحقبة غير السوية من تاريخ البشرية. ليس هذا فحسب، فلقد عوّد الغرب نفسه على الغفران لمدللته هذه متوالية إساءاتها العديدة له نفسه. هنا نحن لسنا بصدد الكلام عن ما تعرف بسياسة الكيل بمكيالين، أي إجازته لها، كما جرت عادته، ما لا يجيزه للآخرين اللذين هم غيره وغيرها، ولا عن عدم إخضاعها لمقاييسه الخاصة في علاقاته الدولية الخادمة لمصالحه وحده، كما يفعل عادةً مع سواها، لكنما نعني غفرانه الدائم لإساءاتها الكثر لهذه المصالح، وتجاوزه السهل عن تجاوزاتها لقوانينه التي استنها لنفسه والتي كثيراً ما ترتكبها في عقد داره. وإذ نتحدث عن الغرب، فليس من الضرورة التفاصيل، أو اختصاره في الولايات المتحدة الأميركية، التي قد تختصره بشكل أو بأخر في هذه الحقبة الكونية، وإنما يجوز لنا التعميم لضآلة التفاوت بين هذه التفاصيل.

    تتجسس على ربيبها وولي نعمتها فيسامحها ويكاد يتستر على فعلتها ويبررها. الأمثلة هنا عديدة ومعروفة، وتكفينا الإشارة فحسب الى الجاسوس بولارد. تسحق مواطنة أميركية تتضامن مع الفلسطينيين ضد الاحتلال بالجرافة في رفح المحتلة فلا تكتفي واشنطن بالصمت وإنما تتواطأ مع قتلة مواطنتها على لف المسألة وتناسيها. ويمكن هنا، العودة القهقرى حتى حادثة مذبحة السفينة الحربية الأميركية ليبرتي الشهيرة قبل عقود خلت، التي بات من الثابت أنها كانت قد ارتكبتها عامدةً ضد حلفائها القادمين لمساعدتها تجسسياً في عدوانها المعروف على مصر عبد الناصر، ذلك عندما رأت أن في ارتكابها ما يخدم عدوانها وتفاصيل ذلك باتت معروفة. تزوّر جوازات اكثر حلفائها وداً وتعاطفاً مع عدوانيتها وتستخدمها في ارتكاب جرائمها الدولية الطابع ، كحادثة اغتيال القائد الفلسطيني الشهيد المبحوح المعروفة في دبي لتطوى المسألة بهدوء وفي زمن قياسي. يوفر لها غربها آخر ما لديه من أسرار التكنولوجيا وأسلحة الموت، فلا تكتفي بما يوفره لها وتتلصص على ما لا يوفره فتسرقه فيتجاوز عن فعائلها ولا يحاسبها. تسّرب ما يعطيه لها من الأسرار التكنولوجية المحذورة حتى على بعض الأطلسيين لاعدائه، أو منافسيه الدوليين، ابتغاء نسج العلاقات المستقبلية معهم تحسباً للمتغيرات في الموازين الدولية، كما هو الحال فيما كان منها مع الصين والهند، ولا تخشى منه لوماً ... ودائماً اللوبيات الصهيونية جاهزة في كل عواصم الغرب للذود عن «إسرائيلها» وتحويل خطاياها إلى مآثر وجب أن تشكر عليها.

    كل هذا أصبح في حكم ما اعتدناه من الغرب حيال «إسرائيله»، وقد نستطرد فنضيف إليه، بأنه اليوم قد بدأ يغير قوانينه حتى لا يضطر لملاحقة مجرمي الحرب «الإسرائيليين» في غدوهم ورواحهم إليه، أو لأن يتحايل لتهريبهم حتى لا تضفر بهم عدالته، بينما يستن كل يوم جديد القوانين أو يلوي أعناقها لتضييق الخناق على مواطنيه من أصل عربي، الذين غدوا اليوم فيه من هم في حكم المشتبه بهم حتى تثبت برائتهم.

    آخر ما يمكن التوقف عنده، هو حكاية وزير الحرب البريطاني وليم فوكس وصديقه الشخصي ومستشاره الأمني «الموسادي» آدم فاريتي. ربما ليس من جديد في الحكاية التي كثيراً ما تكررت في الغرب المتصهين، اللهم إلا في كونها واحدة من آخرها. رسمياً، الوزير استقال بسبب من تهمة مالية، وهي اصطحاب مستشاره الأمني معه في إحدى جولاتها على نفقة الدولة. أما المستشار فوفق ما كشفته الفضيحة، فعميل «للموساد» ويتلقى منه راتباً لقاء عملة مستشاراً لصديقه الوزير، والتهمة، كما وصفتها صحيفة «ميل أون صندي» هي «استخدام نفوذه للاطلاع على معلومات سرية حول القوات البريطانية في أفغانستان، وكانت هذه المعلومات لدوافع أمنية وتجارية، ووصلت لجهات بينها الصناعات العسكرية «الإسرائيلية»».

    إذن نحن هذه المرة أيضاً أمام ذات الحكاية «الإسرائيلية» مع ذات الغرب الربيب والعراب والضامن، الرجل يتجسس على بلاده لصالح «إسرائيليه»، وليس عليها فحسب، بل وعلى الأطلسي، أو الغرب بأجمعه في ورطته الأفغانية، بالإضافة إلى أنه يتقاضى أموالاً من الولايات المتحدة لتعزيزه نفوذها في داخل حليفها الرئيسي تاريخياً بريطانيا. وربما كتغطية ينشط في جمع المعلومات ضد إيران ليبيع نتيجة نشاطه هذا إلى بلاده خدمةً لصالح «إسرائيل» وليس لها، ذلك عبر تزويد المخابرات البريطانية بمعلومات مما جمعه قيل أن هذه قد وصفتها بالمتأخرة، والتي نعتقد أنها من الممكن أن تكون «إسرائيليه» المصدر ... ويتوسط بين سيرلانكا و«إسرائيل» لعقد صفقات الأسلحة ... والأهم صلته الوثيقة باللوبي الصهيوني البريطاني ، أو «بايكوم» وفق مسماه المحلي.

    .. وليم فوكس المستقيل لن يكون الأخير، كما أن آدم فاريتي المتعدد الشمائل ليس الأول في سياق مثل هذه العلاقة العضوية بين الغرب و«إسرائيله» أو ثكنته المتقدمة في بلادنا، وستكون في الأيام القادمة مساحة مسلية لكل من سيتابع ما سوف يبذل هناك لدفن حكايتهما وإيداعها رهن غياهب النسيان مثلما كان حال ما سبقها من حكايات هذا الغرب مع هذه المدللة ... وستظل مشكلتنا هنا كعرب كامنة، ومن أسف، في انتظار الإجابة على سؤال لم تتم الإجابة عليه بعد، وهو : إلى متى سنظل نستمرئ دفن رؤوسنا في التراب حتى لا نرى عدونا الرئيس ونكتفي بالتأشير فحسب على تفصيله «الإسرائيلي»؟!


    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 6:05 am

    فلسطين ..والأمة ... ومالابد من قوله !

    واقع الحال في راهن الساحة الفلسطينية، وما وصلت اليه اليوم قضية قضايا الأمة العربية، قضيتها المركزية في فلسطين، لايسُّر إلا أعداء لأمة العربية وفلسطين. حال يدعو إلى وقفة مع الذات. لاتحتاج الى كثيرٍ من التفكُّر، بيد أنها تستوجب ما لابد لنا من قوله ...
    قد يندر أن نعثر على شعبٍ من شعوب هذه الأرض قد قدَّم من أجل قضيته الوطنية ما قدَّمه الشعب العربي الفلسطيني. وطيلة رحلةٍ مديدةٍ من نضاله الصعب، وعلى مدى عقودٍ قاسيةٍ من العذابات والمعاناة الممتدة لما ينوف على القرن، في مواجهة المستعمرين الغزاة البريطانيين ومن بعدهم الصهاينة، سطَّر هذا الشعب المكافح العنيد ملحمته النضالية الفريدة الحافلة بالبطولات الأسطورية التي قل نظيرها لدى سواه من الشعوب، ولم تتوقف مقاومته يوماً، واستمرت في ظروفٍ قاهرةٍ أقل ما يقال فيها هو انعدام التكافؤ ومالت فيها موازين القوى كلياً لصالح عدوه، حيث ظل يواجه ويصمد، وظهره إلى الحائط، أعتى وأشرس وأبشع صنوف الاستعمار الاستيطاني الاحلالي وأكثرها وحشيةً وبطشاً، ولم تتوقف طيلة صراعه التناحري المزمن هذا وحتى اللحظة قوافل تترى من شهدائه في مسيرته النضالية التي حفلت بمحطاتها العديدة المختلفة، التي تواصلت هبَّات وثورات وانتفاضات. وصمد طيلة كل هذه العقود قابضاً على الجمر عاضاً على الجراح متمسكاً بثوابته النضالية ومسلماته الوطنية، التي كانت لحمتها وسداتها وتظل حقه غير القابل للتصرف في استعادة كامل حقوقه المستلبة المتمثلة في تحرير كامل تراب وطنه التاريخي وطرد الغزاة نهائياً منه والعودة اليه.

    ... وبالتوازي، لم تبخل أمته العربية يوماً ... ونحن إذ نتحدث عن الأمة هنا نستثني منها غالب أنظمتها وأغلب نخبها ونقصد فحسب شارعها وعامتها... لم تبخل بدعمها واحتضانها الشعبين لنضاله ما استطاعت، باعتباره، ومن موقعه المتقدم في مواجهة أعدائها، إنما هو يدافع عنها وينوب في المواجهة، بل يمثل رأس حربة كفاحها المفترض المستوجب من أجل تحريرفلسطينها، التي هي مهمتها أولاً وأخيراً وليست مهمة الشعب الفلسطيني وحده ولاهى بمقدوره، أي باعتبار فلسطين كانت وتظل قضيتها المركزية وبوصلة انعتاقها ومعيارتحررها الحقيقي وسبيل وحدتها الغائبة ومؤشر بدء نهوضها المؤجل، وحيث الفلسطينيين ليسوا سوى خندقها المتقدم المديم للإشتباك مع عدوها حتى يحين أوان هذا التحرير واستعادتها لهذا الجزء أو القلب المغتصب من وطنها الكبير. وعرفت ساحات النضال الفلسطيني جميعاً، في مدها وجزرها، ومنذ أن بدأ وفي كل مراحله، القادة والمناضلون العرب من مشارق الأمة ومغاربها، وعلى تراب فلسطين ومن حولها سقطت القوافل من الشهداء العرب وامتزجت دماؤهم الزكية مع الدماء الفلسطينية، كما وتحملت أقطار الأمة المحاذية لفلسطين ماتحملت، وهو ليس بالقليل، في الحروب التي خيضت مع أعدائها ... إذن، لم هذا الحال، وما هومكمن المشكلة ؟!
    هناك لاريب العديد من العوامل التي من شأنها أن أوصلت الحال الفلسطينية والقضية الفلسطينية الى ما هما عليه، بل دفعت القضية على عدالتها وتضحيات شعبها وأمتها في سبيلها إلى ماهو قاب قوسين أو أدنى من مشارف التصفية، ونتحدث هنا عن الذاتي، الفلسطيني والعربي، أوالحال التي شارفت على شبه التسليم الرسمي بضياع فلسطين. بيد أن أهمها، إذ لا تسمح هذه العجالة بتعدادها كلها، مسألتان:
    الأولى، هى أن مشكلة الشعب الفلسطيني في مسيرته النضالية كانت دائماً وظلت، وطيلة عقود كفاحه الغنية بتجاربها والحافلة ببطولاتها وانكساراتها، تكمن دائما في قياداته، التى يجمع الفلسطينيون قبل غيرهم على أنها لم ترتفع يوماً إلى مستوى تضحياته أوترتقي إلى مستوى قضيته، والتي، ومن أسف، لم يتعلم المحدث اللاحق منها من أخطاء وعثرات السالف أوالسابق عليه، أو ينحو إلى المراكمة على ما أنجزه ويحيد عما وقع فيه من هناتٍ وحتى خطايا، في غمار رحلة حافلة من أشكال هذا النضال الثري بما شهدته محطاته العديدة المضيئة منها والمعتمة.

    والثانية ، إن هذه المشكلة الوطنية هي جزء من مشكلة هى أعم واشمل وامتداد لأخرى هى على الصعيد القومي، أي مشكلة الأمة بكاملها، هذه المتمثلة في أنظمتها القطرية البائسة، التي إما هى عجزت عن التعبير عن توقها وتطلعاتها والإنسجام مع روحها وما يعتمل في وجدانها، وإما من سعت جاهدةً إلى توفير كل السبل التي من شأنها أن تكتم أنفاس الأمة وتسهم في تغييبها وتأبيد تخلُّفها والحؤول دون نهوضها. وكذا هو الأمر بالنسبة إلى غالب نخبها التي أقله لم تحسن التعبير عن همومها أو ترتفع ألى مستوى يوازي ما لديها من مخزونٍ كفاحيٍ تليدٍ ومجيدٍ حفل بحوافزه ومحصِّناته الحضارية والثقافية، التي جعلت منها، وعبر تاريخها العريق، فريدةً بين الأمم من حيث كونها قد شكَّلت مدرسةً دائمةً للشهادة في سبيل قيمها وكرامتها وسِفراً خالدً من الإباء للضيم والرفض للإستكانة أو الخضوع .

    واقع الساحة الفلسطينية في راهنها المتردي، وحال الساحات العربية، على الرغم من كل هذه الإرهاصات الثورية الواعدة التي تتبدى في التحولات الجارية ومخاضاتها العسيرة التي تعتمل صاخبةً في ساحات انتفاضاتها المستعرة، يؤكد على ما سبق وأن ذهبنا إليه ولا ينفيه... مصالحات التكاذب الفلسطيني الفلسطيني تتواصل مسلسلات عروضها التي شابهت حكاياتها المبتذلة حكاية “إبريق الزيت” الشعبية، ومازالت الساحة العربية، أنظمة،ً ونخباً، و“ميادين” منتفضةٍ، تفتقر جميعها قولاً وفعلاً الى ما يذكّرنا بأن قضية فلسطين مازالت هى القضية المركزية للأمة ... آن الآوان للاعتراف بأن كافة الأشكال النضالية التي جربها الشعب الفلسطيني على مدار ما ينوف على القرن قد فشلت وشاخت أدواتها الماثلة المتبقية وعجز محدثها المستجد عن تدارك ماعجز عنه قديمها المهترىء، ولابد لشعبٍ مكافح مثل الشعب الفلسطيني من إبتكارأشكاله النضالية الجديدة المناسبة وهو أهل لذلك ... كما آن للعرب جميعاً أن يدركوا أن بوصلتهم هي فلسطين، التي بدونها لا من سبيل لهذه الأمة كفيل بأن يؤدي بمسيرتها إلى منشود انعتاقها ومطمح تحررها الحقيقي وتقدمها، أواستعادها لمكانتها وكرامتها ومأمول نهضتها.
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 6:06 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    لاغو يتذكّر.. وكم من لاغو لدينا بعد؟!



    منذ بداية مشروعه الاستعماري في بلادنا قبل قرون، أدرك الغرب أنه، وبرغم من ما أتاحه له الظرف التاريخي من تفوق شامل لكافة المجالات على أمة تكابد آثقالاً تراكمت لتخلف فرضته عليها مرحلة تاريخية امتدت لأكثر من أربعمائة عام لم تحكم فيها نفسها، أنه لن يستطيع إخضاعها والهيمنة عليها والتحكم في مصائرها ونهب ثرواتها، بدون انتهاجه سياسة عرفت حينها بسياسة «فرّق تسد»، والتي درج عليها منذ ذالك الحين وترجمت باستهدافها تجزئة وتفتيتاً وشرذمة، جغرافياً وسياسياً، مازالت تعاني نتائجه ولم تقو بعد على الفكاك منها، كما سعى ولا يزال للحؤول دون وحدتها ولضرب كافة الأسس والأبعاد التي تستند إليها وترتكز عليها عوامل نهضتها، بالتوازي مع حربه المستمرة على هويتها وثقافتها، واستشراسه الدائم لتزوير وتشويه تاريخها.

    ومن هنا، جاءت فكرة الدولة المانعة، أو الأساس لافتعال الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين، التي سبقت نشوء الحركة الصهيونية ذاتها، بغية الفصل الجغرافي بين آسيا وإفريقيا العربيتين، أو مشارق الأمة ومغاربها، ثم «سايس- بيكو» لاحقاً... وتاريخ الصراع العربي الغربي القديم المتجدد مليء بالأمثلة والشواهد والعبر التي لا مجال هنا لسردها.

    المشروع الصهيوني، كمفردة من مفردات هذا المشروع الغربي الاستعماري وبعضاً من تفاصيله، دأب، قبل نشوء كيانه الغاصب في فلسطين وبعده،على السير في ذات الاتجاه، وسعى إلى اختراق كتلة الأمة عبر التسلل إلى مكامن ضعف وحدتها، التي من بينها قضايا أقلياتها العرقية والطائفية المزمنة في غياب امتلاكها لمشروعها النهضوي الكفيل بحل مشاكل ومظالم هذه الأقليات، ذلك بتغذية نوازعها الانفصالية ودعمها وتسعيرً غرائزها الانعزالية وتحريضها.

    مع الزمن، والغزاة عادةً لا يقيمون وزناً لصنائعهم ولا يحفظون جميلاً لعملائهم، أولا يتستروا طويلاً على من وقعوا في شباك سياساتهم، بدأ «الإسرائيليون»، كلما أحسوا بأنه لم تعد لديهم حاجة للكتمان، يسرّبون بعضاً من خفايا تلك المحاولات، كاشفينها في كتب تصدر ومذكرات تنشر إلى جانب متعدد الدراسات المتعلقة، ويمكن أن يضاف إلى هذا المقالات والتحقيقات الصحافية التي تعالج الحقبة الزمنية التي نعيش، فاضحين جوانباً من تعاون بعض المتعاونين معهم.

    مثلاُ، لم يعد اليوم سراً تواريخ بدايات تواصلهم مع المارونية السياسية الانعزالية في لبنان قبل وبعد نكبة فلسطين، والذي وصل لاحقاً أوجه في التحالف العلني المعروف إبان الحرب الأهلية اللبنانية سبعينيات القرن المنصرم. وكذا علاقاتهم القديمة والممتدة مع البرزانيين والحركة الانفصالية الكردية في شمال العراق، وصولاً إلى راهنها في ظل الاحتلال الأميركي، الذي جعل من كردستان العراق شبه المنفصلة عن الوطن العراقي ملعباً موسادياً مكشوفاً وقاعدة ومرتكزاً للتغلغل في كافة الخارطة العراقية وجوارها.

    كما لم يكن سراً منذ أمد بعيد مواكبة «الإسرائيليين» للحركة الانفصالية في جنوب السودان ورعايتها ودعمها منذ أول أيامها، أو ما أسس لهذا التواجد «الإسرائيلي» الكثيف الظاهر الآن في ظل من العلاقة الحميمة المعلنة بين «إسرائيل» وحكومة جنوب السودان بعد فصله كحصاد آن قطافه لتلك المواكبة، الأمر الذي أدى الآن إلى فك عقدة لسان الجنوبيين، الذين دأبوا سابقاً على نفي الصلة مع «الإسرائيليين» ما استطاعوا رغم كشف «الإسرائيليين» لوقائعها، ليبدأوا الآن في الحديث عن تاريخية هذه العلاقة وتفاصيل بداياتها ومتتالي وقائعها. مثل هذا ما كان في حوار صحفي نشر مؤخراً في فلسطين المحتلة أجري مع رائد الحركة الانفصالية التاريخي في جنوب السودان جوزيف لاغو، الذي تعرض فيه سارداً لوقائع البدايات المؤسسة لهذه العلاقة وزيارته الأولى لـ «تل أبيب» عام 1968، معدداً بامتنان أشكال الدعم «الإسرائيلية» للحركة الانفصالية السودانية الجنوبية، من مثل معسكرات التدريب في أثيوبيا التي تخرج منها زعيم الحركة جون جرنق وسلفاً كبيراً خليفته ورئيس الدولة الوليدة بعد الانفصال، والأسلحة «الإسرائيلية» التي كانت تلقيها في أحشاء الأدغال الطائرات التي تتزود بالوقد إبان عودتها في كينيا.

    ما كان من حال ما جرى مع المارونية السياسية والأكراد وزنج السودان جرى مثله مع غلاة الحركة الأمازيغية في المغرب العربي، لاسيما منها تلك الوريثة لرواسب فكرة «الظهير البربري» الفرنسية الاستعمارية بدايات القرن المنصرم، وتلكم الأخرى التي هي بعضاً من الحصاد الخبيث لما بذره «معهد الدراسات البربرية» في باريس. ذلك بدأ يظهر عبر مستجد الدراسات «الإسرائيلية»، والتي منها ما صدر منها عن مركز «موشي دايان» حول تاريخ الدعم «الإسرائيلي» للحركة الأمازيغية في نطاق ما يصفه «الإسرائيليون» بسياسة «رعاية الفاعلين غير العرب في محيط «الشرق الأوسط»»، أو محاولات الإفادة منهم في سياق الصراع مع الأمة العربية، لدرجة البحث عن علائق تاريخية يهودية بربرية مزعومة وصلت حد الكلام عن مقاومة مشتركة للغزو العربي للشمال الإفريقي... من هؤلاء أمازيق برنار ليفي الذين مزقوا صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر المرفوعة في شوارع طرابلس الغرب بعد تحريرها ناتوياً!

    جوزيف لاغو لخص كنه مثل هذه العلاقات في إيراده لنص رسالة تهنئة كان قد وجهها لليفي اشكول عقب هزيمة العرب في نكسة 1967، قال فيها: «سيدي رئيس الحكومة، أنا أبارك لكم، أنتم شعب الله المختار، نجاحاتكم، ونحن وإياكم نحارب العرب أنفسهم الذين تحاربون. إذا قدمتم الدعم لي فإن بوسعي توفير شيء لكم بنجاح، سوف أشد وثاق الجيش السوداني وامنعه من الوصول إلى مصر لمقاتلتكم إلى جانب المصريين»... هذا الكلام للاغو، قال مالا يختلف عنه كثيراً الانعزاليون الموارنة والانفصاليون الأكراد، وليس بعيداً عنه أيضاً ما قاله أحمد الدغري الناشط الأمازيغي المتطرف، الذي وصف العلاقة مع «إسرائيل» في مقابلة صحفية بأنها «إحدى وسائل الدفاع عن النفس» ضد العرب والمسلمين على السواء!

    ...مع الأيام، وحيث الصراع مع المشروع الغربي الاستعماري وتجليه الصهيوني مستمر ومديد، ترى كم من لاغو لدينا لا نعرفه بعد، وهذه المرة ممن هم ليسوا بالضرورة من أقليات الأمة وإنما من أغلبيتها. كم منهم سوف يكشف لنا الصهاينة عنهم في قادم الأيام؟!
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 6:06 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 6:07 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    متنازعون ومصفقون.. وعلام الرقص يا رام الله!؟


    ترقص رام الله هذه الأيام على دوي تقديمها لطلب عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، وتكتم أنفاسها وهي تتابع أنباء ما يعرف بـ «المسار الإجرائي»، وفق النظام الداخلي لمجلس الأمن لطلبها، بعد إحالته إلى اللجنة المناط بها دراسته، وتتصور هذا، أو هي تحاول تصويره للفلسطينيين، بأنها الخطوات الأولى باتجاه ما يبشر القضية بنصر من الله وفتح قريب... وأكثرت من المقارنة بين خطاب أبو مازن في المحفل الدولي والخطاب الشهير للراحل ياسر عرفات في ذات المكان قبل عقود «عندما جاءه حاملاً بندقيته في يد، وغص الزيتون في يده الأخرى مطالباً إياه بعدم إسقاط الغصن من يده»، أو ما أسقطتهما أوسلو معاً فيما بعد، أو أسقطهما هو بيده بتوقيعها.
    أبو مازن ذهب إلى هناك بعد عقود من إسقاط ما ذهب بهما أبو عمار، وبعد أن هوّدت القدس جغرافياً وبدأ تهويدها ديموغرافياً، ولحقت بها الضفة أو تكاد، وحوّلت غزة إلى معتقل إبادي كبير، وتتسارع مؤشرات نوايا الترانسفير المبيتة في المحتل في العام 1948 من فلسطين، وكل ما بيده هو «المفاوضات أولاً وثانياً وثالثاً»، أو تلك التي فعلت ما فعلت بالقضية والتي لا بديل لها عنده إلا هي، أو ما أسقطها من يده نتنياهو بالتعاون مع وسيطها وراعيها الأمريكي، وكل ما يطمح إليه بعد هو استعادتها بتحسين نظام شروطها.
    «المسار الإجرائي» المعوّل عليه مرشح للإطالة، إذ أن النظام الداخلي لمجلس الأمن يعطيه فسحة 35 يوماً للتصويت على الطلب، وحتى ذلك الحين يجهد الغرب مع رباعيته، والذي يحاول إدارة الصراع وتطويق أثاره على مصالحة في المنطقة إن تعذّر حله وفق الرؤية الصهيونية، للالتفاف على مسيرته وصرفها باتجاه الجمعية العامة حتى لا تضطر أمريكا لاستخدام حق الفيتو المقرر سلفاً إن وصل الأمر حد التصويت.
    أما في الجمعية العامة، وحيث الحظوظ هناك متوفرة أكثر له، فلا مانع لدى الغرب من عضوية فلسطين كدولة مراقبه، أو ما جاء في العرض أو المقترح الساركوزي، لكن مع السعي مع رام الله لجعلها توافق على أن يكون ذلك مشروطاً بعدم الإفادة مما تتيحه لها هذه العضوية في الذهاب مستقبلا للمحكمة الدولية لتقديم شكاوى أمامها ضد جرائم «إسرائيل» التي لا تحد!
    من تحصيل الحاصل تصور النهايات المتوقعة لغزوة رام الله الأممية هذه، والتي أقصاها، كما قلنا في مقال سابق، هو العرض الساركوزي، أو دولة مراقبة، والتي لا جدال في كونها مسألة رمزية لا تقدم ولا تؤخر في المسار العام الذي يستعجل خطواته باتجاه تصفية القضية. وإذا كان رد الغرب عليها هو ما بيّناه، فالمؤسف هو أن الرد العربي قد اقتصر على التصفيق لراقصي رام الله في تستر على العجز الذي يعيشه الواقع العربي الرسمي وانعكاساته المريعة على قضية العرب المركزية في فلسطين، أما «الإسرائيليون» فكان ردهم يتمثل في اتخاذ سريع قرارات التوسع التهويدي الأخيرة في القدس المحتلة وما قد يتبعها.
    هناك حقيقتان يحاول الراقصون والمصفقون والمناورون، وكل من موقعه، القفز عليها وتغييبها وتتمثلان فيما يلي :
    الأولى، أن الحدث الفلسطيني برمته هو إعلان واضح واعتراف صريح بنهاية همروجة ما تدعي «العملية السلمية»، وإشهار لفشل ذريع لمسار كارثي ألحق أفدح الأضرار بالقضية الفلسطينية، وكلاهما، النهاية والفشل، عبّر عنهما أيما تعبير خطاب أبو مازن، الذي أطنب فيه وأجاد في تعداد بعض ما جرى للفلسطينيين في ظلهما من بلاء مقيم، لكن دون أن ينعى العملية، بل ليعلن تمسكه بجدثها الرميم محاولاً عدم دفنه، ودون أن يتخلى عن المسار بل يمعن فيه.
    والثانية، هي إن أخطر ما في المسألة هو بعض ما جاء في متن الطلب ذاته، وكنا قد أشرنا له ضمناً في مقالنا السابق، والآن ها هو يردنا تأكيده نصاً في الطلب ذاته بعد نشره، ويكمن في العبارة التالية : أنه بعد قبول عضويتها «تعلن دولة فلسطين التزامها العمل من أجل تحقيق حل دائم وعادل وشامل للنزاع «الإسرائيلي» الفلسطيني، يعتمد على رؤية دولتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمان»... وعليه، فالصراع العربي الصهيوني على فلسطين أصبح عند رام الله نزاعاً بين متنازعين لا أكثر. أما السلام العادل والشامل والدائم فيعني عندها التسليم نهائياً بضياع 78% من فلسطين التاريخية والاقتصار على «المنازعة» بمعنى المساومة على 22% منها، أو التي هي الآن قيد التهويد... والتخلي عن حق العودة...!
    في مواجهة مثل هذا المنطق الذي يستجدي دولة من هيئة دولية ما كانت يوماً ولن تكن جمعية خيرية، وتظل المحصلة الأمينة للتوازنات والمصالح الكونية، والمشكّلةً مسرحاً دائماً لمساومات نافذيها، حيث لا معايير إلا المصالح ولا احترام إلا للأقوياء، يجدر التذكير بأن القضية الفلسطينية كانت وستظل، بحكم أقانيم التاريخ والجغرافيا، ومطلق عدالتها، والسيرورة العربية النهضوية التي بدأت إرهاصاتها، الأكبر من أن تصفّى، وهي وهذا حالها وكما ظلت ومنذ أن كانت، كفيلة بإحراق كل الأصابع التي تمتد للعبث بها... هل من حلول عادلة أو شاملة بالتخلي عن قرابة ثمانين بالمئة من فلسطين وتأبيد المشردين من أهلها في المنافي؟! وهل من دائمة ما دامت هذه الـ «إسرائيل» بطبيعتها الاستعمارية الاستيطانية الاحلالية التوسعية قائمة؟! وهل من سلام معها ووجودها أصلاً نقيضاً للسلام؟!
    إن كل ما في أمر هذه التغريبة الأممية هو أن الأوسلويين يحاولون الهرب من نتائج نهجهم الكارثي قبل وصول القضية بسبب منه إلى الخراب الأخير بالتعلق بقشة رمزية العضوية على الطريقة الفاتيكانية، أو الخيار الساركوزي التصفوي بديلاً عن الخيار الوحيد، الذي تفرض وحدانيته على الفلسطينيين والعرب من بعدهم، طبيعة الصراع وضرورة البقاء، والذي تذكرهم به القرارات التهويدية الأخيرة في القدس المحتلة... خيار المقاومة.


    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 6:08 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    مراجعة تسووية وإبداع تصفوي


    من آخر المفارقات الملازمة للمسيرة التصفوية للقضية الفلسطينية الدائرة منذ ما يقارب الحولين وما أفضت إليه، والذي يصب مائة في المائة لصالح «إسرائيل» ويحقق لها كل ما أرادته منها، أن يقف بنيامين نتنياهو، وقد عاد غانماً من احتفالية واشنطن السلامية، ليدعو إلى «استخلاص الدروس من مسيرة التفاوض التي مضى عليها سبعة عشر عاماً»...

    مبعث المفارقة هنا هو في أن الطرف الرابح الوحيد لا المقابل الخاسر دائماً، والذي استطاع أن يوظف هذه المسيرة وأن يستثمرها لصالحه وحده، ويبني مواقفه المستقبلية ويطورها استناداً إلى وفير ما جناه من حصادها، هو من يدعو اليوم إلى مراجعتها... مراجعتها، التي هي عنده تأتي استعداداً لما يريده آخر مواسمها، أو ما يعني وضع اللمسات الأخيرة للعملية التصفوية بإعلان النهاية «الإسرائيلية» المرغوبة للقضية الفلسطينية، أو مسك الختام بالنسبة لكل ما كان يدعى الصراع العربي الصهيوني...

    كان المنطق، إذا ما جاز لنا إقحامه في مثل حالة الانحدار العربي الراهنة، التي لا تخضع للمنطق أو تنتمي إلى المعقول، وتفصيلها الفلسطيني البائس، يقول بأن العرب والفلسطينيين هم الأولى من نتنياهو بمراجعة هذه المسيرة الكارثية فادحة الكلفة وخطيرة التداعيات، وأقلها أنها تقود إلى شطب أعدل قضية عرفها التاريخ، بالتنازل عن حقوق شعب يقدم يومياً باهظ التضحيات مصراً على صونها، أو الموافقة نيابة عنه على ما يرقى إلى تصفية وجوده المادي والمعنوي الناجمة عن مصادرة وطنه. وأخيراً، ووفق منطق المسار الجاري الذي تلوح نتائج مقدماته سلفاً، كل ما يتضمنه جوهر الاعتراف بما يدعى يهودية الدولة... والتي لا تعني سوى مطالبة الضحية بالتسليم بكل ما اقترفه الجلاد وحتى الاعتذار له على تسببها له بعناء ذبحها...

    إنه لا حاجة إلى التأكيد على أن ما ربحه «الإسرائيلي» الداعي للمراجعة هو تماماً ما خسره الطرف العربي الغارق في عجزه والمتشبث بمقولة «السلام خياراً استراتيجياً وحيداً»، وأوسلويوه الذين يطبقون هذا الخيار بجدارة وعلى مذهب «المفاوضات حياة»... ما الذي ربحه «الإسرائيلي» وبالتالي خسره العرب؟

    أولاً، بدأت هذه المسيرة بالاعتراف به والتنازل له عن كل ما كان قد اغتصبه من فلسطين إثر النكبة، أو المحتل في العام 1948 منها، أي 78% من فلسطين التاريخية، واعتبار الباقي الذي احتل بعد النكسة، أو في العام 1967، مجرد أراض متنازع عليها طرحتها اتفاقية أوسلو في بازار المساومة، وألقتها تحت طائلة غوائل موازين القوى المختلة، بمعنى جعلها، في ظل روح الانهزامية السائدة، عرضة لمسار من التفريط ومسلسل من التنازل.

    وثانياً، وإلى جانب التطبيع مع العدو التاريخي الغاصب وتشريع اغتصابه والتسليم بوجوده، الذي يعني تلقائياً تثبيت كيانه القائم على ما اغتصب، إعطاؤه الوقت الكافي لإنجاز عملية تهويد ما اغتصبه بعد العام 1967، أو وضع اللمسات الأخيرة للفروغ من تحقيق ذاك الهدف الاستراتيجي الذي انطلقت الصهيونية أصلاً وسعت جاهدة لإنجازه، وهو تهويد فلسطين كل فلسطين من نهرها إلى بحرها... ثم الالتفات إلى ضواحيها، أو الهيمنة، على الأقل غير المباشرة، على هذه الجغرافيا الممتدة ما بين النيل والفرات، ومن ثم تعديها إلى سائر الوطن العربي والمنطقة... عملية التهويد أو الاستيطان الجارية في الضفة على قدم وساق ولم تتوقف منذ الرابع من حزيران عام 1967، أما القدس فقد تحول الصراع عليها الآن من الجغرافيا إلى الديموغرافيا، إذ لم يبق فيها ما لم يهوّد بعد سوى باقي الأحياء الفلسطينية قيد الهدم، أو المقابر التي تم الشروع في هدمها، أو الحرم القدسي الشريف الذي هود ما تحته وما فوقه، بانتظار أن يحين أوان هدمه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.

    وثالثاً، أتاح قيام «سلطة» أوسلو للحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال للمحتل احتلالاً مثالياً من درجة سبعة نجوم، بمعنى إعفاؤه من مسؤولياته اتجاه الشعب المنكوب به وفق القوانين الدولية، ذلك بقيام هذه «السلطة» بدور البلدية التي تنوب عنه بواجب تقديم الخدمات العامة، كما جرى تحويلها إلى أداة أمنية أنيط بها مهمة حفظ أمن المحتلين وقمع شعبها نيابة عنهم. ومع أنه قد قيل ويقال الكثير عن هذا الدور الذي قامت وتقوم به في مطاردة المقاومين واعتقالهم وتسليمهم للمحتل، وفق التزامها المعلن التنسيق معه أمنياً بإشراف الجنرال الأمريكي دايتون ومن خلفه في مهمته، لكنما إعلان «السلطة» عن اعتقال أبطال عمليتي الخليل ورام الله الأخيرتين ضد قطعان المستعمرين إثر حملة واسعة قامت بها أجهزتها وطالت المئات من رافضي الاحتلال ومن وقعت عليهم شبهة مقاومته، بل ومفاخرتها بذلك، يعد أمراً في مصاف ما يفوق المتخيل، الأمر الذي كان له صداه المُرضي ولاقى الترحيب والإشادة من قبل الأمريكان و«الإسرائيليين»، بحيث استحقت فعلة «السلطة» هذه شهادة جدارة حصلت عليها من السيدة كلينتون، التي قالت :

    إن «الثقة التي أظهرتها القوى الأمنية الفلسطينية الجديدة غيرت حسابات القيادة «الإسرائيلية». وأمريكا كانت وراء هذا، بالإضافة إلى الأردن». وهي هنا، إذا شاركت «السلطة» في تفاخرها بإشارتها إلى جهود الجنرال دايتون وخلفه، لم تنس الإشارة إلى الدور الأردني كذلك!

    هنا قد يتساءل البعض، إذاً وما حاجة نتنياهو إلى المراجعة؟!

    انه، كما أسلفنا، يريدها مراجعةً تعني استعداداً لما يتصوره اقتراب فرصة توجيه الضربة القاضية المجهزة على القضية الفلسطينية بعد ما هيئت هذه المسيرة التفاوضية الطويلة له من فيض ثمارها التي تم جنيها، وسهلت له سبل ما هدف إليه وهو الحصاد النهائي الذي يسعى إليه.

    مثلاً، تحدث نتنياهو عن حالة «نضج في العالم العربي»، مردها عنده هو «تراكم اعتراف الدول العربية بوجوب التوصل إلى تسوية مع «إسرائيل»»، الأمر الذي يعني في نظره بروز الحاجة إلى «تفكير إبداعي» لإنجازها... ولإنجازها، تقاسم الأدوار مع وزير خارجيته ليبرمان، الذي يسهل عليه قول ما لا يجدر بنتنياهو المجاهرة به، وكلاهما تقاسماه مع باراك الذي ما انفك يطلق قنابله الدخانية المساعدة، فبالتوازي مع ما قاله نتنياهو وما يقوله باراك، قطع ليبرمان جازماً بأن «لا فائدة أبداً من التسويات التاريخية ولا في التنازلات المؤلمة» التي يتحدث عنها الاثنان أحياناً، و«ينبغي أن ندرك أن التوقيع على اتفاقية سلام شامل هو هدف غير قابل للتحقيق لا في العام المقبل ولا في الجيل المقبل»... ما كنه التفكير الإبداعي الذي يدعو إليه نتنياهو؟

    إنه بكل بساطة ما يوصل إلى اتفاق مبادئ جديد من شأنه أن يجب كل ما قبله من اتفاقات أوسلوية وأن يعبّد الطريق للوصول إلى التسوية المنشودة أو التصفية التي تكون تماماً وفق اشتراطات نتنياهو المعروفة لها. وعليه، وحيث يقول باراك أن ««إسرائيل» ستسعى إلى إقناع عبّاس بالقبول ببعض الإنشاءات الاستيطانية الجديدة»، كإخراج يسهّل عليه تجاوز مسألة مواصلة الاستيطان الذي هو عملياً لم يتوقف، ويتحدث نتنياهو عن إيمانه «بإمكان التوصل إلى اتفاقية سلمية خلال 12 شهراً»، فإن ليبرمان يقطع مرة أخرى بأنه «لابد أن يكون هناك حداً للتهدئة، وتخفيضات لسقف المفاوضات» باعتبار أن «الأمر الذي يمكن أن نتوصل إليه هو اتفاق انتقالي طويل الأمد»!!!

    هذا على الجانب «الإسرائيلي» فما هو حال «السلطة»؟

    كان كل ما لديها هو أن استغاث كبير مفاوضيها صائب عريقات بالضغط الأوروبي الذي لن يتوفر لثني «إسرائيل» عن ما يقوض «كل الجهود المبذولة لإطلاق عملية سلام ذات مغزى»، وهدد «رئيسها» أبو مازن بأنه سينسحب من المفاوضات إذا تواصل الاستيطان... كان رد «الإسرائيليين» عليه هو أنها «لغة تهديد وكراهية»، لكنما الأكثر مدعاة للتأمل هو أنه عندما حذر عريقات بأن (السلطة) «ستزول إذا فشلت المفاوضات»، اسمعه ليبرمان كلاماً ذا مغزى، وهو قوله : «إننا بصدد التوقيع مع شخص يقف على أرض مهتزة»... ماذا يعني هذا؟!

    ... لعله نوع من الابتزاز عبر تلويح يهدد بالبديل، قد يكتسب مغزاه إذا ما أمعنّا النظر ملياً في رؤية سلام فيّاض المعروفة للحل، أو دولته العتيدة التي بشر بها في غضون عامين لا أكثر... الأمر الذي يمكن ربطه بحديث السيدة كلينتون عن مئات الملايين من الدولارات التي استثمرتها بلادها في مناطق «السلطة» وإشادتها بالتزام (السلطة) «مستقبل شعبها الاقتصادي»، والذي يعود بنا إلى رؤية نتنياهو الشهيرة لما يدعوه «الحل الاقتصادي»... أوليس في هذا ما يكفي لأن يدفع وزيرة خارجية الراعي الدائم لهذه المسيرة التصفوية قيد المراجعة للقول إن «الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بدأت تؤتي ثمارها»؟!!
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 6:09 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



    مرة أخرى : كلام في الثورة والثورات المضادة



    مخزون موروث العرب الثقافي مكتنز بالأمثلة الحكيمة التي اعتصرت تجارب قرون خلت حفلت بالانتصارات والانكسارات والمفاخر والمرارات كانت قد تعاقبت على مر التاريخ العربي المديد فأعطته غناه الذي عُرف به. ولغتنا أو ثقافتنا أو خندقنا الأخير، الأخير قبيل هذه الانتفاضة الثورية العربية اليقظوية النهضوية، حفظت لنا أمثالاً، أو قل، تركت لنا نبارس هادية من درر القول السديد كان من المفترض أنها تُشكل لنا بوصلة في شتى المنعطفات وحيثما المفترقات. وهي إذا ظلت لنا محفوظة في نطاق محمية فصحانا الغنية، فقد ترجمت لنا مع الزمن واختلاف بيئاتنا أمثالاً شعبية راعت تمايز اللهجات العامية مشرقاً ومغرباً، حتى ظن القُطْريون أنها نتاج قطرياتهم الضيقة وخاصة بها، فمثلاً، نسمع من يقول لنا، يقول المثل المصري، أو العراقي، أو التونسي إلخ... والواقع أننا إذا ما دققنا مقارنين بين الأمثال الشعبية ذات الموضوع الواحد في أقطار العرب المختلفة، فسنجد أنها هي عينها، لكنها تطوف كافة بيئاتنا، حيث لهجاتنا تصبغ عليها نكهتها المحلية فلا يشكل عليك ردها لأصلها الواحد إلا لأول وهلة.
    هذه الأيام يحضرنا قول العرب، أو تردادنا في النازلات لشطر من بيت شعر يقول : كالمستجير من الرمضاء بالنار... هذا المثل ينطبق أيما انطباق على حالنا الراهن المريع في ليبيا، حيث، وقد عجز عرب الجامعة عن القيام بواجب حقن دم الأخ المراق، وحفظ ذمار هذا الجزء الغالي من الوطن العربي، ووقايته من غوائل الإبادة والدمار، وأحال عجزهم الأمر إلى العدالة الدولية الغربية، أو بالأحرى، لجأوا إلى الباب العالي الأمريكي وشباكه الأطلسي وقاضيه سيء العدالة مجلس الأمن الدولي، لم يجد المعارضون الليبيون بأساً من إرسال استجاراتهم، واستغاثاتهم شبه اليومية لهذا الباب المفتوح الموصد، الذي أوكل بدوره إلى الأمر شباكه المخلخل، متذرعاً بهذه الإحالة العربية ومستظلاً بفتوى مجلس أمنه المطواع، هذا القابلة مأثوراته دوماً للتأويل والتحلل منها عند اللزوم، وليّ العنق عند الحاجة أو وفق المراد. الآن ليبيا، وأمام أنظار أمتها، تقع بين مطرقة نظامها الوالغ في دمها وسندان آلة حرب الأطلسي وأطماع من أوكلوا له امتياز تقسيم ليبيا وامتصاص نفطها...
    كنت في مقال سابق بعنوان «إنسانية نفطية» قد قلت الكثير في خلفيات مثل هذه النخوة الغربية المفاجئة خبيثة المقاصد، الزاعمة حرصاً على حياة المدنيين في ليبيا، والتي كانت قد فعلت ما فعلته بحياة المدنيين في فلسطين والعراق، وتغض الآن البصر عنها في اليمن. قلت حينها، إنهم لم يأتوا إلى ليبيا لإسقاط النظام ولا لنصرة المعارضة، فهم إن تقدمت الأخيرة خذلوها وتركوها في ظل اختلال موازين القوتين على الأرض تواجه مصيرها، وإن تغوّل النظام وتقدم عليها أكثر من اللزوم قصفوه وأوقفوه عند حده الذي رسموه له، أي عليه أن لا يبتعد أميالاً شرقاً عن الحدود التي كانت بين ولايتي طرابلس وبنغازي أيام ما قبل أن وحّد السنوسيون ليبيا. وقلت حينها، إنهم يحاولون احتواء المعارضة وابتزاز النظام لا أكثر. إثر نشر المقال وصلني على الانترنت تعقيب أرسل لي عبر أحد المواقع، أو هو ربما يعكس رأي الموقع نفسه حيث لم يُذكَر اسم كاتبه. التعقيب يستغرب كيف أن المثقفين العرب يسيئون الظن في الغرب ويعيب عليهم أنهم يعتبرون كل ما يأتي منه شراً مستطيراً.
    أنا هنا، لا أرد، إذ ليس من عادتي الرد على من يعقبون على ما أكتب، فإن كان استحساناً منهم فهذا بعض ما كنت أسعى إليه، وإن كان انتقاداً فأنا لا أملك الحقيقة وإنما أنشدها ما استطعت، ومن حق من خالفني الرأي أن يفعل، وربما أجد في هذا الفائدة، ولكن في هذه المرة أجد لزاماً علي وفق ما تفترضه منا جدية ما نحن بصدده، أرى أن من واجبي اثنتين : سؤال بسيط، اردفه بإحالة على من يهمه الأمر أكثر من سواه... السؤال : إذا ما فصلنا بين الحكومات والشعوب في الغرب، وأخذنا جانب السياسات الغربية، ونظرنا إلى مشاريعها في بلادنا ومواقفها حيال قضايا أمتنا، ومنذ غزوة نابليون وحتى نخوة الأطلسي الليبية، أي أننا لا نذهب بعيداً عائدين في التاريخ لنصل حتى حنا بعل، هل أتانا من هذا الغرب يوماً غير ما تعبر عنه مقولة العرب المأثورة، الويل والثبور وعظائم الأمور؟
    أعطونا مثلاً واحداً يجعلنا نحسن ظننا فيهم... أما الإحالة، فأحيل لائمينا على سوء ظننا بأطلسية أولئك المنقذين البررة عندهم، إلى مظاهرات طبرق وآخر التصريحات، أو الشكاوى، ومختلف التعبيرات عن خيبة الأمل التي تتردد خلال الأيام الأخيرة من قبل مختلف الناطقين باسم المجلس الانتقالي لقوى المعارضة في بنغازي من خذلان الأطلسيين للثوار المستغيثين من رمضاء النظام بنار طلعاتهم الجوية، أو إنسانية قاذفاتهم المغيرة... هذه الأطلسية التي ترعى الآن بخبث لا يغفله إلا السذج استمرار مراوحات الكر والفر الدموية للمرة الخامسة من البريقة وإليها، وتبادل جوائح التقدم والتراجع بين الطرفين المصطرعين ما بين أجدابيا ورأس لانوف... ألم يسمعوا جنرال القيادة الإفريقية الأمريكية يعبِّر عن قناعته بضعف احتمالات سقوط النظام، أما الأوروبيون فحدث ولا حرج، حيث تنسخ تصريحات مختلف قياداتهم دائمة التباين اللاحقة منها السابقة لها وتزداد مع الأيام ضبابيتهم ضبابيةً!
    لوم آخر وردني بعيد نشر مقالي التالي، الذي كان بعنوان «خواطر يمانية». هذا اللائم هو أيضاً أغفل ذكر اسمه، وأظنه أحد غيارى النظام. كنت في المقال قد عبرت عن افتخاري بانتمائي إلى أمة هذا اليمن هو جزء منها، حيث عبَّر ثواره، أو قل شعبه، عن وعي حضاري راقٍ فاجأ الجميع. فهو، وهو الشعب المسلح حتى الثمالة، قد خرج محتجاً بصدور شبابه العارية النازفة، التي واجهت عزلاء رصاص أمن السلطة و«جنابي البلاطجة»، فلم يطلق هذا الشعب، الذي اعتاد أن لا يفارقه سلاحه، رصاصة واحدة ولو دفاعاً عن النفس، لأنه بحسه النضالي السليم كان يدرك أن سلميته، إذ تحمي اليمن من حمامات دم لا نهاية لها فهي السلاح الأمضى الذي يفل بطش أسلحة النظام، والكفيلة بأن تعجّل في انتصاره المؤكد في نهاية المطاف والذي حتام لن يطول أمد تحقيقه.
    لائمي كان لومه ليس موجهاً لي وحدي وإنما هو لا يستثني معي أحداً من أولئك اللذين وصفهم بـ «المتحمسين لما يسمونه بالثورات»، والذين غفلوا عن إدراك مدى خطورة ما دعاه «تسونامي الإخوان المسلمين»، وكوارث قادم «الإمارات الإسلامية»، معتبراً ثوار ميادين تحرير الأمة جميعاً وكافة مناضلي التغيير فيها، أو كل هذا المد الجماهيري العربي «ما هم إلا بيادق» يستخدمها الأصوليون للوصول إلى هدف تحقيق ما دعاه «دار الخلافة»!
    أيضاً، هنا، أنا لا أرد والرد لا يعنيني كما أسلفت، وإنما في هذا ما يدفعني لزاماً إلى الربط بين لائمي في اليمن وسابقه في ليبيا، وبالتالي ضرورة أن ألفت النظر إلى تلاوين وأشكال وتعدد أطراف الثورة المضادة للثورة العربية النهضوية الكاسحة... هذه الثورة العابرة للقواقع القطريات إلى حيث فضاء الأمة، والتي جماهيرها، كما هو ماثل الآن، هي أوعى من نخبها وأسلم حدساً منها، وأبعد ما تكون عن ما يخشى عليها من العبثية والفوضوية وضياع البوصلة وفق مزاعمهم... وكنت قد فصلت معدداً تلك التلاوين والأشكال وأشرت على أطرافها المتضافرة داخلاً وخارجاً في مقالات سابقة ولا أريد هنا العودة إلى ذلك، وأكتفي فقط بالقول، أن هذه الجبهة المعادية لمستجد العرب، التي أدركت استحالة وقف عجلة التغيير الثورية أو احتوائها وحرفها، قد عمدت إلى التآمر، أو إلى الممكن بالنسبة لها، وهو محاولة زرع كل ما تعنيه مضامين التالي من المصطلحات، الفوضى، التجزئة، التقسيم، التدمير، التشويه، في هذه التربة الثورية المتحفزة عطاءً وهي تضع هذا الربيع العربي ما استطاعوا إلى ذلك تآمراً، واستطراداً، معاقبة الأمة الثائرة وإخافتها من نتائج ما هي بصدده من تحوّل...
    في المثال الليبي، أعطى التدخل الغربي، بمؤازرة من عرب الجامعة، وتغطية من شاهدة الزور الأمم المتحدة، صك براءة من كل مواقفه السوداء المعروفة إزاء الثورتين التونسية والمصرية، اللتين لم يسلما من تآمره حتى اللحظة ولن يسلما منه مستقبلاً، ومنحته هذه المؤازرة، وبالاستناد إلى عدالة شاهدة الزور، امتياز إنقاذ المدنيين المزعوم من كارثة الاحتراب الداخلي، حيث لا نرى إنقاذاً ولا إيقافاً للكارثة، بل نشهد صباً للنار على زيتها وابتزازاً لطرفيها.

    *****
    وفي المثال اليمني عبًّر لائمي باسم الغرب ضمناً، أو توافقاً معه، أو لتقاطع موضوعي بين مصلحة كل من الغرب ومن انتمى هذا اللائم إليهم، أو ثنائية الاستبداد والهيمنة الأجنبية، عن بث ما كانوا يعيّروننا عادة به، وهو زعم عشقنا كعرب لما توصف بنظرية المؤامرة، والتي هي كانت وتظل الموجودة ضدنا دائما واقعاً لا متخيلاً ومنذ قرون، وظلت المتلازمة أبداً مع المشروع الغربي التليد المعادي في بلادنا... بث فكرة المؤامرة إياها بشكل معاكس، أي بما يخدم ذات المؤامرة التليدة المستمرة. ذلك يتجلى في اتهامنا بأن رياح التغيير العربية الثورية إنما هي بفعل فاعل، هو في أحد وجوهه الغرب، وفي الوجه الآخر بعبع «الأصولية» المزعوم الطامحة، كما يقول اللائم، في إقامة دار خلافتها.
    ...هنا انتقاص بائس و بين من روح هذه الأمة المائرة بأتواقها التحررية العظمية، واعتداء على حقيقة إرادتها المستيقظة، ومحاولة بغيضة لإخراجها من حراك عصرها وإعادتها مرة أخرى إلى قمقم الوصاية، وتصويرها زوراً كما كانوا يحرصون على تصويرها به... أمة عاجزة لا أمل فيها ولا رجاء، استمرأت الخنوع ورضيت بحال الركود، وقبلت صاغرة بالضيم، وتخلت بدونية عن كرامتها، وسهل على مستبديها قيادها. فهي عندهم إن قاومت إرهابية، وإن واجهت الاستبداد والظلم والاستكبار متطرفة، وإن تمردت «أصوليةً تجافي عصرها، وماضوية تحلم بالعودة إلى أيامها الخوالي»!
    ... وبالإضافة إلى المثاليين السابقين، الليبي واليمني، هناك مثال آخر من وجوه هذه الثورة المضادة لثورة هذا التحول العربي الراهنة، وهو محاولة ركوب موجة التغيير لحرفها عن وجهها الصحيح، ومن ذلك، محاولة النيل من باقي آخر قلاعنا الصامدة الممانعة، عبر محاولة تخريب القلعة من داخلها، ذلك باستغلال حق التغيير ومطلب الاصلاح المشروع مطيةً للوصول إلى باطل التدمير المبيَّت عبر إثارة الفتنة الطائفية والفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وضرب وحدته الوطنية، كما هو الحال في المثال السوري.
    ... هنا وهناك، وفي هذه الحالة وتلك، نحن نشهد محاولات مستميتة تتجاهل حقيقة عربية أذهلت وسوف تذهل كل شانئيها ومعهم محبيها أيضاً، وهي أن هذه الأمة تنهض قومياً، وتحت هذا التوصيف أكثر من خط، حيث تتجلى قيامتها هذه ثورياً، وتلوح لنا وحدتها التي طال انتظارها في تضامن وجدانها واتفاق هبّاتها في بواعثها وأهدافها في كل بقاعها، وتأثر كافة أطرافها وثغورها بكل ما يمور في سائر جسدها المنتفض المترامي، بحيث يمكن القول إنه قد آن الأوان لنتخلى عن استخدام معهود باهت معتاد المصطلحات المضللة، التي فرضتها علينا قطريات التجزئة، وتكاتفت لترسيخها في خطابنا سائر جبهة أعداء العرب داخلاً وخارجاً، من مثل: الشعوب العربية، والبلدان العربية، والشرق الأوسط وشمال إفريقيا... آن الأوان للعودة إلى أصل الأشياء: الشعب العربي، والوطن العربي... الأمة بخير، وحيث لا يجيرها من رمضاء قاهريها إلا تضحيات شهدائها، فالمستقبل اللائق بتضحياتهم آتٍ لا ريب ويحبل بما يحمله من الوعود.
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 6:10 am

    مصالحة ومشاركة ... وتهويد وعصف ذهني تفاوضي!


    كنت قد قررت عدم الكتابة حول لقاءات القاهرة التصالحية الفلسطينية الأخيرة في القاهر، ذلك لأنني لو فعلت لكنت قد وجدت نفسي أكرر تماماً ما سبق وأن كتبته في عديد المرات السابقة حول هكذا لقاءات سبق وأن تكرر التئام مثلها تحت ذات اليافطات وخلصت الى ذات النتائج وانتهت الى ذات المآل، الذي أدى فيم بعد الى ماستوجب انعقاد لاحقاتها، ومن قبل ذات أطرافها وبرعاية من ذات الجهة الداعية، المخابرات المصرية، والمندرجة جميعها تحت ذات الشعارات المجمع، وفق المعلن، عليها … أو هذه المصطلحات ذات المضامين الجليلة الكبرى المستحبة، التي يتم كيلها عادةً وبلا حساب قبيل وأثناء وبعيد انعقاد هذه البازارات التصالحية العتيدة، ثم سرعان ما تسحبها الأيام أو الأسابيع القليلة اللاحقة من التداول، بعد أن يفرّغها الواقع الفلسطيني الرديء من معانيها فور انفضاض تلك اللقاءات الصاخبة … رأب الصدع، المصالحة الوطنية، الوحدة الوطنية، إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وسابقاً كان يكتفى بمقولة تفعيلها … وتم مؤخراً إتحافنا بمصطلحً جديدً ضُم الى الأخريات هو الشراكة !

    … كنت، ومن أسف، سأضطر للكتابة مجدداً عن ذات كرنفالات التكاذب التصالحية السعيدة التي لا يسفر حصاد همروجاتها في العادة عن سابقاتها، إن مصداقيةً أو تطبيقاً، وعلى أرض واقع موضوعي لساحة لا يختلف اثنان، حتى من بين راقصي تلك الكرنفالات، على مدى سوء حالها وما يلحقه ترديه من أذى بالقضية … سأضطر للعودة للكلام عن الاستحالة الموضوعية للجمع بين ما يفترض أنهما الخطين النقيضين اللذين لا يلتقيان، أحدهما المجاهر بأنه سيظل المساوم الملتزم المخلص لمبدأ المفاوضات أو المفاوضات أو المفاوضات، والآخر الذي يصف نفسه بالمقاوم المنادي بالتحرير ومن النهر الى البحر. عن استحالة وحدة وطنية دون إجماع فصائلي على برنامج حد أدنى وطني مقاوم، وإعادة الاعتبار للثوابت الوطنية التي ضمها الميثاق الوطني الأصيل قبل أن كان العبث به، بالتوازي مع الكف عن نهج المراهنة التسووية على وهم الحلول التصفوية … وصولاً إلى مكامن ما أصفه عادةً بالتكاذب الفلسطيني، الذي لا يجمع طرفيه إلا على أن لا أحد منهما يريد أن يوصم بأنه ضد المصالحة الوطنية المنشودة، وسائر تلكم المصطلحات سيئة الحظ المشار إليها آنفاً … طرفان، أحدهما اصطدم نهجه التساومي المدمر بفشل لم يعد ينكره، وبحائط تهويدي زاحف لا يبقي ولا يذر، ولا تعني له المحافل التصالحية أكثر من تعزيز لأوراقه التفاوضية البخسة، وآخر كان يمارس عبرها تقية تصالحية، واليوم لعباً إنتظارياً في الوقت الضائع لما ستسفر عنه جاري الحالة التغييرية العربية، لاسيما في مصر، أو استجابة للضغوط التي تحضه على إبداء «اعتدال» تستوجبه المرحلة المنتظرة.

    لم تكتمل بعد عودة الوفود المتصالحة من محفل «المشاركة» القاهري، إلا وقد خفتت شيئاً فشيئاً أصداء تأكيدات نوايا «تفعيل» مصالحتها، وبدء علو همس التحفظات مواربةً، أو ابتداء محاولات التخفيف المتدرج للمبالغة في التعويل على مردود بروقها الخلبية، وكان هذا من قبل سائر أطرافها … ولم يفرج عن المعتقلين في الضفة بل أُضيف لهم جدداً، ولم يتوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، كما لم تلمس الساحة الفلسطينية ما يدعوها للظن بان حرفاً واحداً مما تم التوقيع عليه سوف يجد طريقه للتطبيق … وأعقبها مؤشران لافتان، هما، إطلالة رباعية طوني بلير برأسها من عمَّان بعد طول اختباء، ورمزية الجولة الحافلة لرئيس حكومة السلطة المقالة في غزة على عديد العواصم العربية والإسلامية المنتقاة … والآن، مالذي تغيّر لكي أتعرض لما كنت قد قررت أن لا أُقاربه خشية تكرار؟! من أسف لا شيء. لكن، وأمام هذا التسونامي التهويدي المسعور وبائس الراهن الفلسطيني في سياق راهن عربي وكوني تحتدم فيه التحولات والتحولات المضادة، من ذا الذي ضميره يحتمل إشاحة الوجه أو اقتراف صمتٍ على ما يُستوجب قوله؟!

    من آخر جديد التسونامي التهويدي الزاحف لابتلاع مالم يبتلع بعد من الوطن الأسير، فقط ما يلي: توسيع المستعمرات المطوقة للعاصمة الفلسطينية والملتهمة لما لم يلتهم بعد من حولها في باقي الضفة. مناقصة لبناء 117 وحدة في «هار حوماه» أو جبل أبو غنيم قبل تهويده جنوبي القدس الشريف. توسيع مستعمرة «هار هادار» شمالي غربها. إضافة 213 وحدة لمستعمرة «افرات» الكائنة في تجمُّع «غوش عتسيون» الاستعماري الفاصل بين القدس وكل ما تبقى من الضفة جنوبها. تسمين ما تدعى «جفعات هازيت» في قلب المدينة، ومصادرة أراض ومنشئات و170 محلاً في المدينة الصناعية في وادي الجوز. وإقرار حزمة مشاريع اقتصادية احتلالية في المناطق التي يصفونها بـ «ذات أفضلية قومية»، وموافقة ما تدعى «المحكمة العليا» على أحقية لما تدعى عندهم «مستوطنة عشوائية» لم تتم الموافقة عليها سابقاً!

    … منجز المصالحة والمنجزات التهويدية، كان مسك ختامهما منجز ثالث صاحبه هذه المرة طوني بلير ورباعيته، وفي ضيافة وزير الخارجية الأردني ناصر جودة. جمع بلير وجودة بين كبير مفاوضي السلطة صائب عريقات ومبعوث نتنياهو إسحاق مولوخو … للحديث عن هذا المنجز، نكتفي بتوصيف أطرافه له : المُضيف وسم اجوائه بالإيجابية. السلطة على لسان نبيل أبو ردينة وصفت العودة الى المفاوضات، التي لم يقطع حبلها السرِّي يوماً، بـ «جس نبض» سلامي سيستمر لنهاية الشهر، مع التوكيد على «استعداد الجانب الفلسطيني لبذل كل جهد ممكن من أجل استئناف المفاوضات»… فماذا عن الجانب «الإسرائيلي» المالك لوحده لميزة فصل الخطاب؟!

    المصادر «الإسرائيلية» تقول إن ملوخو قد سلم عريقات قائمة بـ 25 مسلمة «إسرائيلية» تضبط بحزم رؤية أصحابها للمسار التفاوضي برمته وبالتالي ما يتوجب أن يفضي إليه … بقى أصحاب المنجز البليري، فماذا هم يقولون؟

    ما نقلته الـ «أسوشيتد برس» عن مصادرهم، هو أن المناسبة كانت «جلسة للعصف الذهني. أظهر فيها الجانبان، رغبة في استئناف مفاوضات السلام»… وبعد، متى سنشهد كرنفال «المصالحة» و«الشراكة» الفلسطيني القادم؟!
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 6:11 am

    مصر جمال حمدان


    على الهاتف، انهمرت أسئلتي على صديقي المصري في القاهرة، وبالطبع وفي مثل هذه الأيام بالذات، كان جل حديثنا يتعلق بآخر التطورات الجارية في المحروسة، ومحاولة استشراف خبايا ما هو كامن وراء صخب التجاذبات في معترك شجون وشؤون الراهن المصري المحتدم. قال لي الإعلامي والناشط السياسي والمرابط العنيد أكثر الوقت في ميدان التحرير، وقد عكست أسئلتي مدى قلقي إزاء مختلف الاحتمالات التي تواجه مسار الحلم المصري الذي جسَّدته دماء الشباب المصريين في 25 يناير، مطمئنا :

    لا تقلقوا علينا، ولا على مستقبل مصر، فمهما حلكت أيامنا الراهنة وتعقدت، واختلط حابل عسكرنا بنابل قوانا السياسية المتهافتة لأخذ نصيبها من السلطة الموعودة، فغدنا الآتي لا ريب يلوح لنا وحتام سيشرق. تأكدوا، إنها إنما مسألة وقت لا أكثر، فالأمور لن تتجه في سائر الأحوال أوفي منتهى المطاف إلا فقط لصالح شعبكم المصري.

    قلت له، وقد راقني تفاؤله وأدهشتني ثقته الزائدة والتي بدت لي بعض المبالغ فيها، وماذا عن العسكر؟!

    قال، لا، هؤلاء كل ما باتوا يناورون ويداورون من أجله الآن، أو الكامن من وراء بادي تعنتهم وتصعيد لهجتهم واستعراض قبضتهم هو للحصول على الضمانات التي يريدونها تحسباً لما هو آت بعد تسليمهم السلطة للمدنيين.

    قلت، وما هي؟

    قال، إنها لا تعدو ثلاثاً، أولاها، ضمان بقاء ما كانت قد خُصت به المؤسسة العسكرية من مميزات ومكتسبات ولا بأس من زيادتها، وثانيها، الحفاظ على إمبراطوريتهم الاقتصادية، ثم سرية الموازنة العسكرية إن أمكن، والثالثة والأهم، عدم محاسبتهم في قادم الأيام على خطاياهم الكثيرة التي ارتكبوها خلال عام الثورة الأول الذي أهدروه والذي يقترب الآن من نهايته.

    قلت، والآخرون؟!

    قال، ومن هم؟

    أجبته، ومن هم سوى الأميركان و«إسرائيليهم» وغربهم، وعربهم، وقائم نظام كامب ديفيد الراحل الباقي بذيوله وفلوله. والانتهازية السياسية وقوى ركوب موجة الثورة ومن ثم الارتداد عليها... هل تظنون أنهم سوف يتركون مصر وحالها يوماً؟!

    طال الحوار وغدا يقترب من الجدل، وكان آخر ما حرصت على قوله له، انتبهوا، إنكم تخوضون معركة أمة بكاملها وليس مصر فحسب، لأن الصراع على مصر، بالأمس واليوم وغداً، ومع كل هؤلاء «الآخرين»، هو الصراع على مصر الدور في سياق صراع أمتها المديد معهم، لذا فإن المقلق بحق هو غياب مثل هذا البعد، أو عدم وضوحه كما يفترض، في شعارات ميادين مصر الثورية ...

    وافقني، وقال : لكن عليكم أن تصبروا علينا، لا تحملونا ما لا طاقة لنا به الآن، لدينا أولوياتنا التي فرضتها التركة الثقيلة التي حمَّلونا أوزارها، أما مصر الغد، الدور، ما تنتظره أمتها منها، فهو قدرها ومصيرها شاءت مصر أم أبت، ألم يقل لنا هذا جمال حمدان؟!

    انتهت المكالمة وشعرت أن فاتورة الهاتف سوف تأتيني وقد زادت عن الحد، فانشغلت عنها بمصر جمال حمدان... جمال حمدان المفكر العربي المصري الفذ، الذي رحل غيلةً وفق المرجح على أيدي أعداء مصر والعرب، أو من كنت قد دعوتهم آنفاً بالآخرين، ولغز رحيله معروف ولم يُحلَّ بعد وقيل فيه الكثير، والذي كان في العام 1993، وحيث تمر في العادة ذكراه السنوية على عجل ووجل ودونما أن يلتفت لها إلا قليل القوم ... يقول عبقري مصر في كتابه الشهير «شخصية مصر .. دراسة في عبقرية المكان» : «ومصر بالذات محكوم عليها بالعروبة والزعامة، ولكن أيضاً بتحرير فلسطين، وإلا فبالإعدام. فمصر لا تستطيع أن تنسحب من عروبتها أو تضويها عن نفسها حتى لو أرادت - كيف؟ وهي إذا نكصت عن استرداد فلسطين كاملة من النهر إلى البحر وهادت وهادنت وخانت وحكمت عليها بالضياع، فقد حكمت أيضاً على نفسها بالإعدام، بالانتحار، وسوف تخسر نفسها ورصيدها، الماضي، المستقبل، التاريخ والجغرافيا» ... مبكراً، حاكم جمال حمدان بمقولته هذه كامل حقبة مصر نظام كامب ديفيد وحتى اللحظة، حكم عليها سلفاً بما حكمت عليها لاحقاً ثورة 25 يناير، أو ما قد تصادق عليه مصر ألما بعد تسلم مدنييها للسلطة من عسكرييها، إذا ما تحققت رؤية صاحبي المتفائل في القاهرة، ونحن نميل لمشاركته تفاؤله وأن بدرجة أكثر تواضعاً ولا تخلو من توجُّس ولا يبارحها القلق... استعاد لنا جمال حمدان في محكمته التاريخ فأعطى الجغرافيا حقها، فاستحضر صلاح الدين، والظاهر بيبرس، وسيف الدين قطز، ومحمد علي، وجمال عبد الناصر، ليدلنا على عبقرية المكان وصاحبته، دورها، مكانتها، وقدرها... قال ما لم تقله لنا مصر ميدان التحرير بعد، أو ما أجَّلته إلى حين أولويات هذه المرحلة :

    «لن تصبح مصر قط دولة حرة قوية عزيزة متقدمة يسكنها شعب أبي كريم متطور إلا بعد أن تُصفِّي وجود العدو «الإسرائيلي» من كل فلسطين. فبهذا وبه وحده، تنتقم لنفسها من كل سلبياتها وتاريخها وعار حاضرها»... ما قاله فقيدنا جمال حمدان ليس وصيته لمصره وحدها، وإنما كان يقوله لأمته جمعاء ومن محيطها إلى خليجها، وإذا ما اتضحت لهما، مصر والأمة، ذات الرؤية اتضاحها عنده، فحينها وحينها فحسب، يمكننا القول بثقة بأننا فعلا في انتظار مصر جمال حمدان... وأمة جمال حمدان.
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 6:12 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    مصنع للقتَلَة في ثكنة للموت


    يقولون إن كل الدول في هذا العالم لها جيوش إلا واحدة اختلفت فشذتّ عن هذه القاعدة هي دولة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، إذ هي بخلاف سواها جيش محتل له دولة. هذا الشذوذ هو منسجم تماماً مع طبيعة هذا الكيان وبالتالي ثابت سيظل ملازماً لوجوده، ذلك باعتباره التجمع الاستعماري الاستيطاني الإحلاليً الذي قام أصلاً كنتيجةٍ موضوعيةٍ لغزوٍ فاغتصابٍ لوطن شعبٍ آخرٍ نكبه وشرده وجثم بالقوة مؤسساً كيانه الغاصب على أنقاضه. ولأنه كيان مفتعل يتنافى وجوده الغريب على منطقةٍ غرس عنوة في القلب منها مع كافة حقائق التاريخ والجغرافيا وأبسط قيم ومعاني العدالة الإنسانية، رافقته بالضرورة هشاشة الطارئ المرفوض والزائف المُصطنع، على الرغم من كل ما حباه به عرابوه ومتبنوه الغربيون من مختلف أسباب القوة الأعتى والأفتك والأكثر تطوراً في عالمنا، وحيث مدوه بكل ما ملكته أيديهم ووفروا له أسباب البقاء المادي والمعنوي، وشملوه بمظلة حمايتهم المستديمة، وزاولوا حرصاً مشهوداً على تغطية جريمته المستمرة على امتداد أكثر من ثلاثة أرباع القرن متكفلين استمراريتها، ذلك، بضمان تفوقه الدائم، والتزامهم الراسخ بصون أمنه.

    وعليه، ولطبيعة «إسرائيل» المشار إليها، وبالتالي دورها ووظيفتها في سياق الاستراتيجيات الاستعمارية الغربية في المنطقة، المزمنة منها والمحدثة، ليس لها أن تكون سوى هذه الثكنة العسكرية العدوانية والقاعدة المتقدمة المنسجمةً مع مثل هذه الطبيعة وهذا الدور وتلك الوظيفة، وبالتالي بات من الطبيعي أن كل من ضمه تجمعها البشري المجلوب والمستورد بكامله من أربع جهات الأرض عسكراً مدججاً بالسلاح، وبذا استحقت من ثم وصفها بالجيش الذي له دولة لا الدولة التي لها جيش.

    ... ولأنها كذلك، فإلى جانب البعدين الوظيفي في خدمة المشروع الغربي المعادي، والديني الممزوج بأكداسٍ من الزائف الأسطوري والملفق الخرافي، كان الأمن هو البعد الثالث الذي يرتكز عليه وجودها القلق، حيث إن أي اهتزاز لواحدٍ من هذه الأبعاد الثلاثة هو الكفيل بطرح مسألة مصيرها ومستقبل وجودها برمته قيد التشكيك ورهن التساؤل ومدار البحث، الأمر الذي من شأنه أن يفسر لنا سر كل هذه الفوبيا الوجودية القاتلة التي تستوطنها، أو رهاب انعدام اليقين المرضي بمستقبل وجودها وإمكانية بقائها، هذا المستشري المقيم لدى كافة شرائح ومستويات مستوطنيها، على الرغم من كل ما يكفله لها الغرب متبنيها منذ أن اختلقها من أسباب القوة والتفوق، وكل ما حباها به من سبل الاستمرارية ووسائل البقاء.

    لذا، ليس من المستغرب أبداً أن تصادف أن كل قادة «إسرائيل» وسائر الممسكين عادةً بالقرار في كيانها قد جاءوا جميعهم تقريباً من داخل المؤسسة الأمنية وانحدروا منها، ولا من عجب في أن تتحول مثل هذه الثكنة الاستعمارية العدوانية إلى قلعة موت وأن يتحول جيشها المحتل الى مصنعٍ عتيدٍ للقتلة، وهل كان في كل الوقائع التي رافقت عقود وجودها وعلى امتداد الصراع معها ثمة ما يشي بغير هذا؟!

    ولنتوقف فحسب أمام آخر ما نما إلينا من الأمثلة :

    أواخر العام 2008 وبداية العام 2009 كانت الحرب العدوانية الإبادية التي شنها الجيش «الإسرائيلي» على قطاع غزة المحاصر المستفرد به، والتي أسماها شانوها «عملية الرصاص المسكوب»، وارتقوا بها إلى مستوى المذبحة الموثَّقة بالصوت والصورة في حينه، حيث شهد قاصي العالم ودانيه توالي وقائعها مفصلةً وتابعها على شاشات التلفزة بكل لغات الأرض. كعادتها، وكما هو معروف، قاومت غزة المعتدين ببسالتها المعهودة وصمدت بعنادها وإيبائها المعروفين فأفشلت تضحياتها البطولية الأسطورية استهدافات العدوان، وبذا انتصرت رادتها، وهي المثخنة المستفرد بها، على إرادة أعدائها. إبان هذه المحرقة «الإسرائيلية» والملحمة الفلسطينية، وفي الرابع من يناير2009، تمكن الغزاة من احتلال حي الزيتون في مدينة غزة، وعلى بعد ما يقل عن الثمانين متراً من تمركز وحدة من لواء «جفعاتي» الشهير بدمويته كانت عائلة السموني الفلسطينية الكبيرة العزلاء محاصرةً بالقتلة بعد أن جمَّعها المحتلون في بيتٍ واحدٍ وتنتظر مصيرها. لم يطل الانتظار لأن قائد الوحدة لم ترق له إطالة أمده فأمر قواته بقصف البيت بمن فيه. استشهد واحد وعشرون فرداً من هذه العائلة المنكوبة، من بينهم تسعة أطفال، وجرح أكثر من أربعين... وكالعادة، يشكل هذا الجيش إثر كل مذبحةٍ أو انفضاح جريمةٍ من مسلسل جرائمه المتوالية لجنة تحقيقٍ، الهدف منها دائماً التعمية على وحشيته والتظاهر بالتمدن، ومحاولةً منه لامتصاص ما قد يبدر من ردود أفعال إنسانيةٍ محتملةٍ على ما ارتكبه، ولا تنتهي حكماً إلا بطيها وتبرئة مرتكبيها وغالباً مكافأتهم ... بعد كل ما مر عليها من أعوام انقضت في التحقيق في بطولة وحدة لواء «جفعاتي» في حي الزيتون، ما الذي انتهت إليه لجنة مذبحة آل السموني؟!

    قبل أيام وفي رسالة لـ«بتسيليم»، أشارت ما توصف بنائبة المدعي العام للشؤون العملانية إلى أن «ملف التحقيق في الشرطة العسكرية «الإسرائيلية» قد تم إغلاقه»... لماذا؟! لأنه قد «تبين أن الجهات ذات الصلة لم تتصرف بإهمال في ظروف القضية بطريقةٍ يتحقق معها المسؤولية الجنائية»... بقي أن نشير إلى أن آمر وحدة قتلة آل السموني إيلان مالكا، الذي تمت تبرئته على هذا النحو، ينتظر هذه الأيام ترقيته الى رتبة عميد...لا من غرابةٍ في مثل هذا.. فنحن هنا نتحدث عن مآثر لمصنعٍ للقتلة في ثكنةٍ أُختلقت لصناعة الموت!!!
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الأحد يوليو 15, 2012 6:13 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    وقاحة قوة وفجور استعماري


    الخبر ورد في صحيفة «يديعوت أحرونوت» «الإسرائيلية»، ويقول : إن وزارة شؤون المتقاعدين «الإسرائيلية» قد استحدثت دائرةً جديدة فيها، غايتها البحث عن أملاك اليهود التي فقدوها عندما قدموا إلى فلسطين المحتلة مهاجرين من الدول العربية التي كانوا يعيشون فيها بغية السعي لاستعادتها، وهي أملاك يقدرها «الإسرائيليون» بعشرات المليارات، ويقولون إنها تشتمل على أراضٍ، وبيوت، وآبار نفط... نعم، آبار نفط، هكذا يقولون!

    كيف سيستعيدونها؟

    الخبر يقول، بأن الدائرة الجديدة سوف تعد ملفاً قضائياً لكل يهودي من هؤلاء، والذين تقدر أعدادهم الآن بالمليون، ومن ثم تقديم دعاوي قضائية «لاستعادة الأملاك مباشرة وعبر طرف ثالث»... تقديم دعاوي على غرار تلك التي أقيمت في أوروبا في أعقاب ما عرف بالمحرقة! وأنها قد شرعت في إعداد النماذج المطلوبة لتعئبتها...

    في التفاصيل، وعلى سبيل المثال، أن من هؤلاء اليهود المعنيين باستعادة أملاكهم، ومن العراق وحده، هم 135 ألفاً، وهؤلاء يقولون أنهم تركوا أملاكاً يصل حجمها إلى 10 مليارات دولار!!!

    أما ما يتعلق بالبلدان العربية الأخرى، فربع اليهود العرب المهاجرين إلى فلسطين المحتلة، أي المليون، قد قدموا من المغرب، و103 آلاف من تونس، و55 ألفاً من اليمن، و 20 ألفاً من سوريا، وخمسة آلاف من لبنان، يضاف لهم 120 ألفاً من إيران. ويلاحظ هنا إغفال ذكر اليهود المصريين وعدم إقحامهم في الموضوع... أما في تفاصيل ما تركوه وفق ما أورد الخبر، فمنها الحوانيت والمصالح التجارية، والحسابات المصرفية، ومؤسسات من مثل، الكنس والقاعات وملاجئ المسنين، وصولاً إلى الزعم بأن بعضهم، مثلاً، يمتلك وثائق تثبت بأن أجداده في إيران قد تركوا سبعة آبار نفط بالكمال والتمام!

    والمسألة لا تتوقف عند استعادة هذه الأملاك المزعومة فحسب وما قد يتبع من فوائد متراكمة عليها مع الزمن الذي عمره من عمر اغتصاب فلسطين، بل مطالبة العرب بتعويضات مستحقة ليهودهم الذين غادروا أوطانهم أو بالأحرى، الذين هاجروا وبملء إرادتهم أو هجرتهم الصهيونية منها، لكي يسهموا في اغتصاب بلد عربي ويطردوا أهله منه ويحلون محلهم. وهذه التعويضات، هي كالتالي، وفق ما أوردته الصحيفة «الإسرائيلية» عينها : «تعويضات على المس بحقوق اليهود من خلال سحب مواطنتهم، وسلب حريتهم، ومنعهم من الدراسة وحقوق التقاعد التي لم تدفع، وتدنيس قبورهم، وفصلهم من أعمالهم على خلفية عنصرية»!!!

    تصوّروا، كم هو المطلوب من المبالغ المستحقة على العرب والإيرانيين، التي تشمل عوائد لممتلكات مفترضة تصل إلى آبار النفط، وتعويضات ليهودهم عليهم هي متعددة الجوانب ولا تُستثنى حتى حقوق التقاعد!

    هنا نحن بصدد وقاحة تذكرنا بالمثل الشعبي العربي القائل : «الفاجر أكل مال التاجر»... وهنا لا غرابة ولا عجيب إذ نحن إزاء منطق استعماري إحلالي، ينسجم مع طبيعة من يقيم كيانه على ركام ما اغتصبه، أي وطن الآخر، وبالتالي فهو لا يرى استمرارية لوجوده الغاصب إلا بنفي وجود أصحاب هذه الحقوق المغتصبة، ويستند في هذا إلى ثقافة عنصرية انتقائية تليدة تضرب جذورها في الخرافة والسطو على أساطير وثقافات ومواريث الآخرين. وهذا بالطبع لا يستقيم إلا بتزوير التاريخ وسرقة الجغرافيا. وهو منطق غازٍ فاجر يتجاهل بالتالي جملة من الحقائق محاولاً القفز عليها مستنداً في ذلك إلى القوة، وما يتيحه له الغرب من دعم وتغطية لجرائمه، ومستفيداً من حالة الانحدار العربي الكارثية، نكتفي هنا بالإشارة إلى اثنتين:

    الأولى، أن الصهيونية، كما هو معروف وموثّق تاريخياً، هي التي هجّرت اليهود العرب إلى فلسطين العربية لتنجز بهم وبسواهم من يهود العالم عملية اغتصابها، ولم يطردوا أو يهجّروا أو يدفعوا إلى الهجرة بقرار من أي بلد عربي، وعمليات التفجيرات التي ارتكبها الصهاينة في العراق لتهجير اليهود معروفة وثابتة. و إنما تم هذا التهجير بالتواطؤ والضغوطات والتدخلات الأجنبية في بعض الأقطار العربية التي كان أغلبها تحت الهيمنة الاستعمارية المباشرة وغير المباشرة، لانتزاع السماح لليهود العرب بالهجرة إلى فلسطين، أو الهجرة إلى أقطار أخرى ومنها إلى فلسطين. كما أن هؤلاء كما هو معروف، منهم من باع أملاكه أو من وضعها بتصرف وكيل يهودي لم يهاجر ليبيعها بالسعر المناسب، وهناك من بقي هو وأملاكه ولا زال يعيش حيث عاش أجداده... في تونس مثلاً، ومنهم من هو وزير أو مستشار كما هو الحال في المغرب، أو نائباً برلمانياً، في البحرين على سبيل المثال.

    والثانية، أن هؤلاء الذين هاجروا أو هجّرتهم الصهيونية إلى فلسطين وتطالب اليوم بتعويضات لهم يعيشون منذ أن هاجروا هم ونسلهم وسواهم من يهود العالم في أملاك من طردوهم من العرب الفلسطينيين من وطنهم بعد سلبه. أي في أملاك العرب وبيوتهم وأراضيهم، أو على أنقاض كل ما كان وطنهم المغتصب.

    وأخيراً، لعل حقيقة الحقائق التي يمكن إضافتها إلى السابقتين، ولعلها الأهم، هي أن مثل هذا المنطق الوقح يظهر لنا حجم ومدى التحدي الوجودي الذي يعيشه العرب كل العرب وجيلاً بعد جيل ما دامت «إسرائيل» جاثمة في القلب من وطنهم الكبير، حيث بلغت بها الوقاحة الاستعمارية المنطق والمنطلق حداً جعلها تغتصب الحقوق وتطالب بالتعويضات ممن اغتصبت حقوقهم!

    منطق لا يواجه بغير المطالبة بكامل حقوقنا في فلسطيننا التاريخية، بمعنى انتزاعها، فالحقوق لا تستعاد إلا انتزاعاً.


    ياسمين ابو مهنا
    ياسمين ابو مهنا
    عضو جديد
    عضو جديد


    عدد المساهمات : 16

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  ياسمين ابو مهنا الأربعاء يوليو 18, 2012 1:36 am

    مشكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــور

    ناطرين جديـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدك

    đąŇĝỂŖθūś
    đąŇĝỂŖθūś
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 63

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  đąŇĝỂŖθūś الأحد يوليو 29, 2012 3:02 pm

    يعطيك العآفية حمـآدة ،

    مقآلات أحونآ عبد اللطيف روعة ،


    لا تحرمنآ
    احمد مهنا
    احمد مهنا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 381

    مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "  Empty رد: مقالات عبد اللطيف مهنا " الموضوع متجدد "

    مُساهمة  احمد مهنا الإثنين يوليو 30, 2012 5:23 pm

    نووووورت يا سامي ...


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 9:17 pm